التخطي إلى المحتوى الرئيسي

"أقذر حروب التاريخ".. ماذا تعرف عن حروب الأفيون بين الصين وبريطانيا


 قبل 182 عاماً، اندلعت شرارة أقذر الحروب التي أشعلتها بريطانيا خلال تاريخها الاستعماري، حيث نشرت تعاطي الأفيون بين الشعب الصيني إبان صراعها مع سلالة تشينغ الصينية. أطلق على تلك المرحلة اسم حروب الأفيون، واستمر تأثيرها حتى مطلع القرن العشرين.

حروب الأفيون عبارة عن نزاعين مسلّحين وقعا في الصين في منتصف القرن التاسع عشر بين بريطانيا وسلالة تشينغ التي حكمت الصين (1664-1912). فبينما نشبت حرب الأفيون الأولى (1839-1842) بين الصين وبريطانيا فقط، انضمّت فرنسا إلى جانب بريطانيا في حرب الأفيون الثانية (1856-1860)، والمعروفة أيضاً باسم "حرب السّهم" أو "الحرب الأنجلو-فرنسية في الصين".


وقادت التكنولوجيا العسكرية الحديثة القوى الأوروبية إلى تحقيق انتصار سهل على قوات تشينغ، الأمر الذي مكّنهم من الحصول على امتيازات تجارية وامتيازات قانونية وإقليمية في الصين.


كما أدّت الحروب والمعاهدات التي فُرضت تباعاً إلى إضعاف أسرة تشينغ والحكومة الإمبراطورية الصينية، وأجبرت الصين على فتح موانئها أمام حركة التجارة الأوروبية. بالإضافة إلى ذلك، أخذت بريطانيا حقّ السيادة على هونغ كونغ، التي أُعيدت للصين قبل 3 عقود فقط مع استمرار احتفاظها بوضع خاص.


الدوافع وراء حروب الأفيون

كان السبب الرئيسي لاندلاع الحروب، هو محاولة الصين للتصدّي لتجارة الأفيون التي كان يمارسها التجار الإنجليز بشكل غير مشروع بين الهند والصين من خلال "شركة الهند الشرقية" المملوكة لبريطانيا، والتي كانت تحتكر التجارة مع الصين آنذاك. ومع تنامي تجارة الأفيون بشكل كبير اعتباراً من عشرينيات القرن الثامن عشر، كان التصدّي الصيني بمثابة دافع لبريطانيا من أجل البدء بحرب هي الأقذر في التاريخ بسبب الأرباح الكبيرة التي كانت تجنيها من تجارة الأفيون مع الصين.


ومع تفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في الصين جراء انتشار تعاطي الأفيون بين أفراد الشعب، أحرقت الحكومة الصينية في عام 1839 مخزناً ضخماً من الأفيون كان التجار الإنجليز يخزّنونه في إقليم غوانغزو.


وعلى إثر ذلك تعاظم التوتر بين الصينيين والإنجليز، وكانت حادثة قتل بحّار إنجليزي لقروي صيني ورفض الحكومة البريطانية آنذاك قبول مثول مواطنها أمام محكمة صينية، بمثابة القشّة التي قسمت ظهر البعير، مشعلةً بذلك أوّل حروب الأفيون بين بريطانيا والصين، والتي استمرت 3 سنوات انتهت بفوز بريطانيا وحصولها على امتيازات كبيرة في استخدام الموانئ الصينية واحتكار التجارة مع الصين.


حرب الأفيون الأولى (1839-1842)


في أواخر عام 1839، وبعد حادثة البحّار الإنجليزي، أعلنت بريطانيا، التي كانت في أوج قوتها، الحرب على الصين من أجل إعادة فتح الأبواب أمام حركة تجارة الأفيون المربحة، وأرسلت على الفور سفنها الحربية لضرب حصار بحري مقابل مصبّ نهر اللؤلؤ في هونغ كونغ.


وفي أوائل عام 1940، قررت بريطانيا إرسال قوة استكشافية إلى الصين، ومع وصول الحملة إلى هونغ كونغ في يونيو/حزيران، تقدّم الأسطول البريطاني عبر مصبّ نهر اللؤلؤ إلى كانتون، ومن ثمّ احتلت هونغ كونغ في مايو/أيار 1941 بعد شهور من المفاوضات.


وعلى الرغم من الهجوم المضاد الحازم من القوات الصينية في ربيع عام 1842، إلا أنّ البريطانيين لم ينجحوا في الصمود وحسب، بل تمكنوا من الاستيلاء على نان جينغ في أواخر أغسطس/آب، مما وضع حداً للقتال والبدء بالمفاوضات التي اختُتمت بالتوقيع على اتفاقية "نان جينج" في أغسطس/آب 1842.


وبموجب أحكام الاتفاقية، كانت الصين مطالَبة بدفع تعويض كبير لبريطانيا، والتنازل عن جزيرة هونج كونج للبريطانيين، وزيادة عدد الموانئ المخصصة للإنجليز من ميناء واحد إلى خمسة من بينها ميناء شنغهاي.


وفي الاتفاقية المكمّلة التي وُقّعت في أكتوبر/تشرين الأول 1843، مُنح الإنجليز الحق في المثول أمام المحاكم البريطانية، فضلاً عن منح المملكة المتحدة وضعية الدولة الأجنبية الأكثر تفضيلاً.


حرب الأفيون الثانية (1856-1860)


في منتصف خمسينيات القرن التاسع عشر، وبينما كانت حكومة تشينغ في قمع تمرّد "تايبينغ" بين عامي 1850 و1864، وجدت بريطانيا في ذلك الفرصة في إشعال صراع جديد مع الصينيين من شأنه توسعة نفوذهم التجاري.


لم تنتظر المملكة المتحدة كثيراً من أجل إيجاد الذريعة المناسبة، إذا اعتبرت حادثة السفينة (Arrow) سبباً كافياً لإشعال الحرب من جديد، وذلك بعد أن اعتقلت السلطات الصينية في أوائل أكتوبر/تشرين الأول 1856 بعضاً من أفراد طاقم السفينة (صينيون) التي كانت ترسو في ميناء كانتون، الأمر الذي اعتبره الإنجليز إهانة لعلَمهم، وسبباً كافياً لبدء حرب ثانية.


متحججةً بذلك، باشرت البحرية البريطانية بقصف كانتون عبر مصبّ نهر اللؤلؤ، وأشعلت مناوشات مع القوات الصينية. تلا ذلك توقف التجارة، وفي ديسمبر/كانون الأول أحرق الصينيون معامل التجارة البريطانية ومستودعاتها، ما أدى إلى تصاعد التوتر.


من جانبهم، قرر الفرنسيون الدخول على الخطّ والانضمام إلى الحملة البريطانية، متخذين من حادثة مقتل مبشّر فرنسي أوائل عام 1856 على الأراضي الصينية، ذريعةً لدخول الحرب.


وبحلول نهاية عام 1857، بدأ الحلفاء عملياتهم العسكرية، ونجحوا في الاستيلاء على المقاطعة وتعيين حاكم أكثر تعاوناً.


وفي صيف عام 1858، نجح الحلفاء بالوصول إلى مدينة "تيانجين" وإجبار الحكومة الصينية على الموافقة على معاهدة "تيانجين" في يونيو/حزيران 1858، التي نصّت على تشريع تجارة الأفيون وجعلها قانونية، ودفع الصين تعويضات كبيرة للحلفاء، وتأمين إقامة المبعوثين الأجانب في بكين، وفتح العديد من الموانئ الجديدة للتجارة، والسماح للمسافرين الأجانب والمبشّرين بالدخول إلى عمق الأراضي الصينية.


في أعقاب ذلك، انسحب الحلفاء من "تيانجين"، وعادوا في صيف 1859 للتصديق على المعاهدات، لكنّ الحكومة قاومتهم ورفضت التوقيع عليها، الأمر الذي دفع الحلفاء لبدء حملة عسكرية جديدة نجحت بدخول بكين وإحراق القصر الصيفي للإمبراطور في أكتوبر/تشرين الأول 1860.


على إثر ذلك، وُقّعت معاهدة بكين التي أقرّت بشروط معاهدة "تيانجين" وسلّمت جنوب شبه جزيرة كولون، لتُلحق بهونغ كونغ التي بقيت خاضعة للسيطرة البريطانية حتى تسعينيات القرن الماضي، قبل أن تُعاد للصين مع استمرار احتفاظها بوضع خاص.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية: البوليساريو انتهجوا وسائل قانونية للمقاومة وعملوا على بناء مؤسسات دولة ديمقراطية وشاملة وكسبوا ثقة العالم.

 نشرت مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية مقالًا للكاتبة هانا راي أرمسترونج تناولت فيه السياسات التي يمكن أن تنتهجها إدارة بايدن لحل النزاع بشأن الصحراء الغربية. تستهل الكاتبة مقالها بالإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وَقَّع إعلانًا (أحادي الجانب) في ديسمبر  2020 يعترف بالسيادة المغربية على منطقة تبلغ مساحتها 100 ألف ميل مربع متنازع عليها منذ نصف قرن: الصحراء الغربية، ماضيًا بذلك في عكس اتجاه سياسة أمريكية طويلة الأمد بالتزام الحياد في المواجهة بين الحكومة المغربية، وجبهة البوليساريو، التي تسعى لاستقلال الصحراء الغربية. ونوَّهت الكاتبة إلى أن ترامب أيَّد مطالبة المغرب بالسيادة على الصحراء مقابل تطبيع الرباط لعلاقاتها مع إسرائيل، والانضمام إلى اتفاقات أبراهام. وتسببت هذه المقايضة في انهيار اتفاق لوقف إطلاق النار؛ مما أدَّى إلى تجدد القتال، وتزايد التوترات في المنطقة. وتلفت الكاتبة إلى أن الأمم المتحدة تحاول استئناف عملية سياسية من شأنها التغلب على المأزق الحالي، ورفضت المغرب تنفيذ استفتاء شعبي تدعمه الأمم المتحدة من شأنه أن يحدد وضع الصحراء الغربية، وبدلًا عن ذلك قدَّم المغر...

أبي بشراي البشير يؤكد " القرار الصادر عن القسم القانوني في مجلس الإتحاد الأوروبي مهم للغاية ويؤكد القراءة السليمة لقرار محكمة العدل الأوروبية

  الشهيد للحافظ ، 02 فبراير 2025 (واص) -  أكد ممثل  جبهة البوليساريو لدى سويسرا والأمم المتحدة والمنظمات الدولية بجنيف, السفير أبي بشراي البشير, أن الرأي الصادر عن القسم القانوني في مجلس الاتحاد الأوروبي "مهم للغاية" لأنه يؤكد "القراءة السليمة لقرارات محكمة العدل الأوروبية الصادرة يوم 4 أكتوبر 2024 والتي تم بموجبها رفض طعون المفوضية والمجلس ضد قرار المحكمة العامة ليوم 29 سبتمبر 2021 وتأكيد قرار إلغاء الاتفاقيات بين المغرب والاتحاد الأوروبي.  وذلك - يضيف الدبلوماسي الصحراوي - بسبب شموليتها  اللاشرعية للصحراء الغربية, وهي الإقليم المتمايز والمنفصل عن المملكة المغربية, دون الحصول على موافقة الشعب الصحراوي المعني الحصري بالحق في تقرير المصير, وبالتالي السيادة على الإقليم وثرواته". وأضاف في تصريح لو" واج "  أن "هذا الرأي القانوني يعزز الانطباع الحاصل لدى الأوروبيين بتقلص هامش المناورة أمام المفوضية في محاولاتها الدائمة للقفز على قرارات العدالة الأوروبية, ويحمل رسالة واضحة إلى المفوضية بضرورة احترام تلك القرارات والالتزام بمحتواها". كما شدد الدبلوماسي ...

البرلمان البريطاني يستقبل ممثلي القضية الصحراوية لمناقشة تطورات النزاع ودور المملكة المتحدة

  شارك مارك لوتشفورد (Mark Luetchford)، ممثل منظمة Western Sahara Campaign UK، والمنظمة الخيرية البريطانية Mijek Refugees Hand، ممثلها أباهم مولود، في لقاء مع البرلماني البريطاني عن Folkestone and Romney Marsh السيد Tony Vaughan، وذلك يوم 13/07/2025 على الساعة العاشرة صباحًا في مدينة Folkestone. كان هذا اللقاء مبرمجًا منذ مدة، وتناول القضية الصحراوية وآخر تطوراتها، إلى جانب مناقشة دور المملكة المتحدة وموقفها الأخير من هذه القضية. تم التطرق إلى تطورات النزاع في الصحراء الغربية، والخلفية القانونية لوضع الإقليم في القانون الدولي، وكذلك مسار مخطط السلام الأممي-الإفريقي، وفشل الأمم المتحدة حتى الآن في إيجاد حل عادل. كما طالب الوفد من البرلماني Tony Vaughan الانضمام إلى مجموعة البرلمانيين الداعمين للقضية الصحراوية داخل البرلمان البريطاني، بالإضافة إلى طرح أسئلة رسمية داخل البرلمان بشأن القضية الصحراوية. وقد تم التأكيد له أن الشعب الصحراوي لا يطلب سوى العدالة وفقًا للقانون الدولي، وأن الشعب الصحراوي وحكومته مستعدان للتعاون الاستراتيجي مع المملكة المتحدة في مختلف المجالات. وللإشارة، ...