بينما يحلم الأفارقة بالهجرة والسفر إلى أوربا بحثا عن حياة أفضل لهم ولأولادهم، بدا أن ذلك لا يروق لبريطانيا، حيث تصر على ترحيل المهاجرين غير الشرعيين من أراضيها إلى أفريقيا مرة أخرى عبر طرف ثالث هو رواندا بعد أن وقعت معها اتفاقية مثيرة للجدل تتعلق بهذا الشأن.
وفق منظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فإن 85% من اللاجئين في العالم هم أفارقة، وربما يكون هذا هو السبب الذي اختارت من أجله بريطانيا توقيع الاتفاقية التي يتم بمقتضاها ترحيل اللاجئين غير الشرعيين من أراضيها مقابل 157 مليون يورو دفعتها الحكومة البريطانية لحكومة رواندا ثمنًا لتلك الصفقة.
الاتفاقية تنتهك حقوق اللاجئين
الاتفاقية غير إنسانية ومذلة للكرامة الإنسانية، فهي أحد أنواع تجارة البشر مقابل المال، وهي مخالفة لميثاق الأمم المتحدة الذي يعتبر أن الفارين من الحروب والصراعات والاضطهادات بغض النظر عن عقيدتهم أو جنسيتهم، هم في حاجة إلى المساعدة والعطف والاحتواء ولا ينبغي بحال المتاجرة بهم ونقل طلباتهم للجوء إلى دول أخرى!!
المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة أعربت هي الأخرى عن معارضتها الشديدة للاتفاقية وقالت “إن اقتراح الحكومة البريطانية إرسال المهاجرين غير الشرعيين إلى رواندا هو انتهاك للقانون الدولي وأمر غير مقبول!”.
رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي يقف وراء هذه الاتفاقية ويدعمها بكل قوة، يبرر كل ذلك باعتقاده أن رواندا لديها القدرة على إعادة توطين عشرات آلاف اللاجئين في السنوات القادمة دون حاجة إلى مساعدة، أما وزيرة داخليته بريتي كباتيلو فهي من أشد المؤيدين للاتفاقية، وتشرف علي تنفيذها وتقول إنها تتحمل المسؤولية كاملة عن تطبيق هذه الاتفاقية.
رواندا ترحب بالاتفاقية
تنفيذ الاتفاقية سيتم بأثر رجعي ابتداء من يناير الماضي وفق ما صرح به بوريس جونسون، وسيتم ترحيل كل لاجئ غير شرعي دخل البلاد بعد هذا التاريخ إلى رواندا!!
رواندا التي قبضت نظير دورها ترحب بالاتفاقية، فهي غير معنية بمصير اللاجئين ومستقبلهم، لهذا أصدر وزير خارجيتها بيانا رحب فيه بالشراكة مع المملكة المتحدة من أجل استضافة طالبي اللجوء والمهاجرين المبعدين من بريطانيا، مع وعد بتوفير كل السبل القانونية التي تضمن لهم الإقامة في ذلك البلد.
المعارضة البريطانية غير راضية عن الاتفاقية، وقامت بشن حملة على جونسون واتهمته بالتضليل لصرف الأنظار عن الأزمة التي وقع فيها بعد أن خرق قواعد الإغلاق المرتبطة بكرونا، عندما دعا وشارك في عدة حفلات في مقر رئاسة الوزراء فجرت فضيحة كبيرة في الأوساط البريطانية، طالبته المعارضة بعدها بالاستقالة الفورية.
اعلان
بريطانيا تناقض نفسها
الطريف في الأمر أن المملكة المتحدة تناقض نفسها في هذه القضية بالذات، فهي تمنح حق اللجوء للاجئين الروانديين الفارين من الاضطهاد السياسي في بلادهم، وهي نفسها التي أثارت العام الماضي المخاوف في الأمم المتحدة بشأن مزاعم حول “القتل خارج نطاق القانون” وعمليات الإخفاء القسري والوفاة والتعذيب للمسجونين السياسيين في ذلك البلد، كما انتقدت بشدة القيود المفروضة على الحقوق المدنية والسياسية، أما وزارة الخارجية الأمريكية فقد انتقدت رواندا وقالت إنها بلد يعاني من مشاكل كثيرة في سجل حقوق الانسان.
البريطانيون غير راضين عن سياسة بلادهم العنصرية هذه، ويتساءلون لماذا لا تطبق بنود هذه الاتفاقية على اللاجئين الأوكرانيين؟!
صحيفة الغارديان البريطانية مثلت الغضب الشعبي البريطاني ووصفت الاتفاقية بـ”الوحشية” وقالت في معرض تحقيق لها إنه لا ينبغي أن يكون إبعاد الناس بهذه الطريقة غير المقبولة التي تتناقض مع تاريخ وعراقة المملكة المتحدة في الالتزام بحماية وحقوق اللاجئين.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها ترحيل لاجئين من أوروبا إلى دول أخرى، فهناك دول تنتهج سياسة الإبعاد مثل أستراليا التي تقوم سياسة اللجوء فيها على إرسال طالبي اللجوء الوافدين على متن قوارب إلى معسكرات اعتقال مقامة في جزيرة “ناورو” بالمحيط الهادي، وتهدد الحكومة الأسترالية بأن أي لاجئ يصل على متن قارب إلى المياه الإقليمية الأسترالية لن يمنح حق الإقامة في أستراليا.
الدنمارك على الطريق
الدنمارك هي الأخرى تسير على نفس طريق إنجلترا، وهي البلد الأوربي الوحيد الذي بارك الاتفاقية، وتشير تقارير إلى أنها مقبلة على إبرام صفقة مماثلة، فهي أول دولة أوربية أقرت قانونا يسمح بتسليم طالبي اللجوء متعلقاتهم من المجوهرات والذهب والاشياء الثمينة ثمنا لدفع تكاليف إقامتهم!!
الحقيقة الماثلة للعين الآن هي أن القيم الإنسانية العالمية في تراجع مستمر، وأن حقوق البشر وكرامتهم تنتهك يوميا من قبل حكام وساسة ديمقراطيين وآخرين ديكتاتوريين.
لقد أصبح البشر اليوم يشكلون عبئا بعضهم على بعض، كراهية وعنصرية وتعذيبا وسجونا ومعتقلات، ومن لا يطيق كل ذلك ويفكر في الهروب إلى أراضي آمنة بحثا عن أوهام الحرية والعدالة، تتلقفه ركلات وصفعات تجار البشر، والقوانين المجحفة، والعنصرية البغيضة التي قد تنتهي به جثة في قبر مجهول، أو شخص مطرود من مكان إلى آخر بلا هوية ولا عنوان. وأخيرا وفي ظل الاتفاقية الجديدة قد ينتهي به الحال مبعدا في دولة أفريقية بعد أن كان يمني النفس بالمواطنة الأوربية!
اعلان
المصدر : الجزيرة مباشر
تعليقات
إرسال تعليق