التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ذكريات سياسية ديبلوماسية

 ✍️بقلم الدكتور محي الدين عميمور.


ذكريات سياسية ديبلوماسية

تفضل الرئيس الشاذلي بن جديد فطلب مني البقاء إلى جواره مكلفا بنفس القضايا التي كنت مكلفا بها وذلك إلى جانب الرفيقين مولود حمروش وعبد الملك كركب.

وحرص الرئيس على ألا يضيع فرصة واحدة لوضع النقاط فوق الحروف وتحتها (واللغة العربية هي اللغة الوحيدة التي توضع فيها نقاط تحت الحروف أيضا) وكان علي أن أسهر على ذلك، ومن هنا كان التركيز في أول كلمات الرئيس للشعب الجزائري عشية إجراء الانتخابات الرئاسية في فبراير 1979 على أن "رئاسته هي استمرار للنظام الذي أقامه جوان 1965"، أي أنه استمرار لنظام بو مدين".

وحمل الخطاب حرصا واضحا على ترسيخ تعبير: "الاستمرارية"، لتجسيد صلة الوصل مع الشرعية الثورية التي تتوج الشرعية الدستورية وتمنحها عمقا تاريخيا يشكل أهم قواعد الاستقرار، انتظارا لمرحلة تقف فيها الشرعية الدستورية على قدميها بدون الاستناد على الشرعية الثورية ولكن بدون التنكر لها، وهي عملية قد تبدو معقدة ولكنني ضرورة تاريخية وسياسية كانت دائما نصب الأعين في كل ما يجب أن يُعدّ للرئيس وباسمه وعنه وله.

وفي الكلمة القصيرة التي شكر فيها الرئيس الشاذلي بن جديد الشعب على اختياره بعد الانتخابات الرئاسية قال بأننا : "سنسير دائما على الخط الذي رسمه الرئيس الراحل هواري بو مدين".

وعشية مشاركته في مؤتمر القمة الإفريقي في مونروفيا أكد الرئيس في الكلمة التي أعددتها له بأن "الجزائر ليست طرفا في أي نزاع كان، وبأنها على استعداد للمساهمة في كل ما من شأنه أن يحقق السلام العادل".

وعندما بدا أن الجانب الآخر لم يلتقط الرسالة رُفعت درجة التنبيه في الخطاب الموجه للأمة خريف 1979، ووضعتُ في كلمة الرئيس فقرة تقول بأن: "تشجيع النظام المغربي على مواصلة سياساته العدوانية هو خطر على المنطقة كلها، بما في ذلك المغرب نفسه، ومن مصلحة الجميع، داخل المنطقة وخارجها أن تزول الأسباب الحقيقية للتوتر والصراع"، وهي عبارة اقترح عليّ الدكتور أحمد طالب إضافتها للخطاب، واستكملت بأن مدّ الشاذلي غصن الزيتون في اتجاه الشعب المغربي الشقيق قائلا : "إن الدماء التي تسيل في الصحراء الغربية هي دماء أشقاء لنا وجيران، ويعز علينا أن تراق هذه الدماء نتيجة حرب ظالمة أو أحلام توسعية".

في هذه المرحلة جاء عقد المؤتمر الإسلامي الثالث في مكة المكرمة.

وأحسسنا يومها أن الرياض تريد، أو يُراد منها، القيام بدور لحل قضية الصحراء الغربية، ولكن طبقا للمنطق المغربي، وكان هذا هو سر فشلها أمس واليوم وربما غدا.

وهكذا يشهد المؤتمر الإسلامي الثالث في مكة عملية بالغة الطرافة وقف وراءها الأشقاء في السعودية، وكان مهندسها السيد أحمد عبد الوهاب مدير التشريفات الملكية في عهد عاهل السعودية الراحل الملك خالد بن عبد العزيز(وهناك كان اللقاء الأول بين الرئيس والأمير فهد) وعكست بوضوح نجاح النظام المغربي في إقناع السعودية بأن القضية هي جزائرية مغربية، وأن أي لقاء بين الرئيس الجزائري والملك المغربي أيا كانت صورته سيكون بداية حل المشكلة، ولم يفهم الأشقاء هناك أن منطق الأمر الواقع لا يمكن أن يقبله الطرف الجزائري.

لكن الأشقاء كانوا يرون أن أي لقاء بين الرئيس الجزائري والعاهل المغربي، ولو كان شكليا، سوف يعطيهم الفرصة للتقدم كرسل السلام بين البلدين.

 واستعد الجميع لافتتاح المؤتمر الذي غابت عنه كل من مصر (التي ارتبطت بكامب دافيد) وأفغانستان (التي كانت أرض صراع بين واشنطن وموسكو) كما لم تشارك ليبيا لسبب لا أعرفه على وجه التحديد فغاب العقيد القذافي عن المؤتمر، وتغيبت إيران التي كانت علاقتها مع البلد المُضيف مشوبة بالتوتر فلم يُشارك رئيسها أبو الحسن بني صدر.

وجرى تنظيم الافتتاح في المسجد الحرام في الخامس والعشرين من يناير تحت رئاسة الملك خالد رحمه الله بشكل أثار دهشتنا، إذ قيل لنا بأن الحفل سيتلوه أداء العمرة، وطُلب إلينا أن نقوم بالطواف قبل وصول الملوك والرؤساء لتفادي الازدحام، وهو ما قمنا به فعلا بقيادة الأستاذ عبد الرحمن شيبان، ثم جلسنا صفوفا أفقية تحت سقف المسجد المواجه لباب الكعبة، وخصص الصف الأول للملوك والرؤساء، ليجلس كل وفد وراء رئيسه بشكل رأسي ممتد داخل المسجد.(الصورة السفلية)

كان الرئيس الشاذلي يجلس في منتصف الصف الأول تقريبا وكان العاهل السعوديّ يجلس على كرسي أعد له، لمرضه، في أقصى اليسار، بينما جلس الملك الحسن في النصف الأيمن، وبدأت مجموعة من التحركات في أوساط المجموعات الإعلامية أثارت فضولنا، خصوصا وقد أخذ بعض المصورين يتجمع بشكل ملحوظ على بعد أمتار أمام مكان جلوس الرئيس الجزائري.

وكان مدير التشريفات الرئاسية آنذاك مولود حمروش في غاية اليقظة، فجلس أرضا إلى جانب الرئيس، وأخذنا نحن نتابع ما يحدث وكأنه عرض سينيمائي، وهكذا رأينا الملك الحسن وهو يمر أمام القادة مرفوقا بالرئيس ياسر عرفات رحمه الله ليُقدم، بصفته رئيسا للجنة القدس، نموذجا مجسما لمسجد الصخرة للملك خالد الجالس في أقصى اليسار، وعلى يُسراه جلس أرضا الأمير فهد ولي العهد، وبعد تقديم النموذج ومصافحة الملك خالد اتجه الملك الحسن ليعود من حيث أتى، ولاحظنا أنه حدّق في وجه أول رئيس جالسٍ أرضاً على يمين الملك خالد، فوقف الرئيس بسرعة لمصافحة الملك الذي تعمد الالتفات نحو الرئيس الجالس بعده فوقف هذا أيضا ليحيي الملك الذي واصل السير بنفس الطريقة عائدا إلى مكانه في أقصى اليمين.

وكان طريفا أن نتابع وقوف الرؤساء لتحية الملك الحسن بشكل بدا عكسيا لحركة سقوط أحجار الدومينو، وكان الملك يرتدي جلابة مغربية ويضع على رأسه عمامة أنيقة، في حين كان جل الرؤساء بملابس العمرة، وكان السبب هو أن الملك كان قد أدى العمرة قبل ذلك مع مرافقيه، وكان بالتالي يمتلك مقدرة أكثر على الحركة بعيدا عن قيود الإحرام.

وفهمنا نحن اللعبة، ورحنا نتابع تحرك الملك المغربي الذي أخذ يصافح على التوالي كل من وقفوا، أدبا، لتحيته، وكان المفروض طبعا أن يقف الرئيس عند وصول الملك إلى مستواه ليصافحه، ولتقوم آلات تصوير جُمّعتْ سلفا بالتقاط صورة الحدث التاريخي الذي سوف يقدم كانصياع جزائري للإرادة المغربية.

لكن ما حدث، وكان من أدلة يقظة مولود وحرص بن يحيى وتجاوب الرئيس، أن الملك وصل إلى مستوى الشاذلي ولكن "حدث" أن كان الرئيس ملتفتا إلى الخلف في حديث مع بن يحيى لم يسمعه سوى مولود حمروش، ولم يقف بالتالي لتحية الملك، (انظر الصورة) ورأينا، مهري وشيبان  ويزيد وأنا، وجه الملك يكاد يزداد سمرة وتتصلب ملامحه بشكل ملحوظ، ثم واصل سيره متطلعا إلى الأمام وبدون أن يصافح عددا من بقية الزعماء (كان على يمين الرئيس الشاذلي على ما أذكر رئيس جزر القمر ثم عبدو ضيوف رئيس السنغال)

وهكذا فشلت أول محاولة لافتعال المصافحة بين الرئيس الشاذلي والملك الحسن، لكن المحاولات سوف تتواصل (فصل من كتابي "أنا وهو وهم" وكتابي "المغرب العربي")

من صفحة لحريطاني لحسن


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشاب الجزائري الموثر محمد دومير يصنع الحدث في ملف الصحراء الغربية

 ‏بعد التحقق من المعلومات الواردة في عدة وثائق تثبت استقلالية الصحراء الغربية تاريخيا، بما في ذلك رسائل ومعاهدات سلاطين مراكش. قمت بإرسالها للجنة الرابعة للامم المتحدة لانهاء الاستعمار، و طلبت أن أعرضها بقاعة الاجتماعات هذا الأسبوع أمام كل العالم..  انتظرونا من نيويورك

مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية: البوليساريو انتهجوا وسائل قانونية للمقاومة وعملوا على بناء مؤسسات دولة ديمقراطية وشاملة وكسبوا ثقة العالم.

 نشرت مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية مقالًا للكاتبة هانا راي أرمسترونج تناولت فيه السياسات التي يمكن أن تنتهجها إدارة بايدن لحل النزاع بشأن الصحراء الغربية. تستهل الكاتبة مقالها بالإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وَقَّع إعلانًا (أحادي الجانب) في ديسمبر  2020 يعترف بالسيادة المغربية على منطقة تبلغ مساحتها 100 ألف ميل مربع متنازع عليها منذ نصف قرن: الصحراء الغربية، ماضيًا بذلك في عكس اتجاه سياسة أمريكية طويلة الأمد بالتزام الحياد في المواجهة بين الحكومة المغربية، وجبهة البوليساريو، التي تسعى لاستقلال الصحراء الغربية. ونوَّهت الكاتبة إلى أن ترامب أيَّد مطالبة المغرب بالسيادة على الصحراء مقابل تطبيع الرباط لعلاقاتها مع إسرائيل، والانضمام إلى اتفاقات أبراهام. وتسببت هذه المقايضة في انهيار اتفاق لوقف إطلاق النار؛ مما أدَّى إلى تجدد القتال، وتزايد التوترات في المنطقة. وتلفت الكاتبة إلى أن الأمم المتحدة تحاول استئناف عملية سياسية من شأنها التغلب على المأزق الحالي، ورفضت المغرب تنفيذ استفتاء شعبي تدعمه الأمم المتحدة من شأنه أن يحدد وضع الصحراء الغربية، وبدلًا عن ذلك قدَّم المغر...

أبي بشراي البشير يؤكد " القرار الصادر عن القسم القانوني في مجلس الإتحاد الأوروبي مهم للغاية ويؤكد القراءة السليمة لقرار محكمة العدل الأوروبية

  الشهيد للحافظ ، 02 فبراير 2025 (واص) -  أكد ممثل  جبهة البوليساريو لدى سويسرا والأمم المتحدة والمنظمات الدولية بجنيف, السفير أبي بشراي البشير, أن الرأي الصادر عن القسم القانوني في مجلس الاتحاد الأوروبي "مهم للغاية" لأنه يؤكد "القراءة السليمة لقرارات محكمة العدل الأوروبية الصادرة يوم 4 أكتوبر 2024 والتي تم بموجبها رفض طعون المفوضية والمجلس ضد قرار المحكمة العامة ليوم 29 سبتمبر 2021 وتأكيد قرار إلغاء الاتفاقيات بين المغرب والاتحاد الأوروبي.  وذلك - يضيف الدبلوماسي الصحراوي - بسبب شموليتها  اللاشرعية للصحراء الغربية, وهي الإقليم المتمايز والمنفصل عن المملكة المغربية, دون الحصول على موافقة الشعب الصحراوي المعني الحصري بالحق في تقرير المصير, وبالتالي السيادة على الإقليم وثرواته". وأضاف في تصريح لو" واج "  أن "هذا الرأي القانوني يعزز الانطباع الحاصل لدى الأوروبيين بتقلص هامش المناورة أمام المفوضية في محاولاتها الدائمة للقفز على قرارات العدالة الأوروبية, ويحمل رسالة واضحة إلى المفوضية بضرورة احترام تلك القرارات والالتزام بمحتواها". كما شدد الدبلوماسي ...