التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هجوم نواكشوط :

 

هجوم نواكشوط :


كان الولي قد بدأ يفكر في ضرب نواقشوط، عاصمة موريتانيا، منذ تدخلت موريتانيا ميدانيا إلى جانب المغرب، لكنه كان يؤجل ذلك إلى حين. كان يريد إن يستقر الوضع، يتم تأمين اللاجئين، وبعد ذلك يتم الانتقال إلى الهجوم، وتسقط القذيفة الأولى في قصر ولد داداه. بالنسبة له – الولي- ولدْ داداه يتحمل المسئولية عن تفاقم الوضع وعن توقيع اتفاق مدريد وعن الحرب، وتنكَّر لكل الروابط التي تربط الشعبين الموريتاني والصحراوي، وخاصة أنه تنكر لطعم الشاي الصحراوي وللضيافة التي كان يتمتع بها في خيام الصحراويين حين كان مترجما للفرنسيين. ميدانيا، كان جيش ولد داداه هو الحلقة الأضعف في الصراع ويمكن الإيقاع به بسهولة، فهو- باستثناء قيادته- ليس من الموريتانيين أنما مرتزقة ورجال تمت رشوتهم كي يتجندوا في الحرب.


عملية نواقشوط


منذ 10 مايو 1976م، يكون الولي قد بدأ يفكر ويحشد لضرب قصر ولدْ داداه في العاصمة الموريتانية. فمن خلال خطابه يوم 20 مايو 1976م، بدأ البعض يحس انه خطاب وداعي، وأن ذلك الزعيم البطل مُقدم على عمل ما سري. أول عمل قام به هو أنه أعطى أمرا سريا للشهيد سيد احمد الرقيبي ومجموعة قليلة من المقاتلين بدفن براميل من وقود السيارات( 21 برميل اسانس و10 براميل كزوال) في منطقة رملية شرق مدينة الزويرات ب70 كلم، ثم بدأ يدرب مجموعة من المقاتلين قرب المقاطعة دون أن يخبرهم إلى أين هم ذاهبون. كانوا يتدربون تدريبا شاقا على الأسلحة خاصة مدفع ب10والرشاشات ودوشكا، ولم يكونوا ينامون إلا قليلا . قبل إن تنطلق المجموعة نحو نواقشوط قام الولي بتحضير دوريتين للمساعدة في المناورة وللفت أنبتاه القوات الموريتانية عن القوة التي ستهاجم نواقشوط. حين كان الولي يحضِّر للعملية، كان الناس يسمعونه يقول" المختار ولد داده هو رأس كل خطئية. الموريتانيون الشرفاء رفضوا القتال ضد الصحراويين." هذه الكلمة كررها مرات عديدة، في مناسبات مختلفة قبل العلمية. يوم 1 جوان تم جمع المقاتلين الذين سيشاركون في العلمية عند حاسي المقاطعة. بدأت التكهنات والتاويلات: البعض يقول سنذهب إلى الزويرات لاحتلالها؛ البعض يقول سنهاجم العيون، والبعض ينتظر. وجاء الولي يلبس قندورته الصفراء ومحاطا ببعض الرفاق -استشهدوا كلهم فيما أعلم- ، فأخبر الجميع أنهم ذاهبون لضرب قصر الرئيس ولد داداه في انواقشوط، وطلب من الذين لا يستطيعون الذهاب -لأسباب أو لأخرى- إن يتحيدوا جانبا.


كانت القوة جاهزة وتكون من 32 سيارة وشاحنة: 6 شاحنات للذخيرة والمؤن، و22 سيارة لاندروفير مجهزة بمدافع ورشاشات وهاونات ومعها وصهاريج. خرجت تلك الدورية التي ستدخل التاريخ يوم فاتح جوان باكرا على السادسة صباحا، ولم تتوقف حتى وصلت إلى أم غريد، فقيَّلت وتزودت بالماء ثم وصالت السير على الساعة الرابعة مساء. لم يكن هناك أي شعور بأن الدورية ستضل طريقها؛ يتقدمها رجال من أكثر الناس معرفة بالتراب الصحراوي وبالتراب الموريتاني، ويعرفون كل حجرة وكل شجرة في تلك المساحة الشاسعة من الصحاري. كان أفراد الدورية، طبقا لتعليمات الولي، قد رسموا طريقهم تبعا لوجود أبار الماء، والتكيف مع الطبيعة حتى لا يتم اصطدامهم مع القوات الموريتانية.

وحتى تمر الدورية المتجهة إلى نواقشوط بسلام، كانت هناك دوريتان قد تم تكليفهما من طرف الولي بالمناورة للتغطية على عملية المرور. الدورية الأولى يقوها الحاج محمد احمد وتقوم بالمناورة في فديرك والزويرات؛ والثانية بقيادة محمد شداد وتناور في الشرق قرب أطار. الهدف الميداني التكيتيكي من هذا العمل هو جعل العدو يوجه قواته للبحث عن الدوريتين، وترك الطريق مفتوحا أمام دورية نواقشوط لتتخطى دون أن يتم كشفها.

ولسوء الحظ فقد هبت عاصفة في الليل أزاحت الرمال عن براميل المحروقات المخزنة غير بعيد عن الزويرات، فاصبحت مكشوفة. فحين كانت إحدى الدوريتين تُهاجم، في إطار المناورة، الزويرات، انسحبت، وبدون قصد توجهت نحو المكان الذي توجد فيه البراميل فتبعتهم قوة موريتانية وتمكنت من اكتشاف براميل المحروقات وتم الاستيلاء عليها. لم يعلم الولي ودوريته بالخبر إلى غاية اليوم الموالي: الثالث. في اليوم الثالث من المسير توجهت الدورية إلى ظلعة أسراويل، وهي المكان المحدد للألتقاء بالدوريتين اللتين تقومان بالمناورة. حين تم الالتقاء بهما تم إشعار الولي أن المحروقات تم الاستيلاء عليها. لكن رغم ذلك لم يتراجع، بل قرر الذهاب بما عندهم من المحروقات، وكلف الدوريتين بتكثيف المناروة لإنهم أصبحوا في التراب الموريتاني. بدأت المصاعب: تعطل في السيارات، صعوبة في اجتياز بعض المناطق، لكن رغم ذلك كان يجب التقدم. خلال كل هذه الفترة كان الولي لا ينام، يحرس، يحضر الطعام، يحلل، يناقش، ويكرر إن ولد داداه هو المشكلة في كل ما وقع. كان حين يتعب أصحابه يحرس هو في الليل ويأمر الجميع أن ينام. في اليوم الخامس، عند بئر أوشيش، أقام الولي محاضرة للدورية على العاشرة صباحا، وقال لهم: سنذهب بلا محروقات إضافية. تم الاستيلاء على المحروقات التي كانت مخزنة، لكن ليس من الرجولة الرجوع عن نواقشوط.."

ورغم ذلك قرر إن يستمع لرفاقه. البعض قال، تقوم دوريتهم هم- دورية انواقشوط- بالتنسيق مع دوريتي المناورة بمهاجمة الزويرات واحتلالها، والقيام بعملية كبيرة، ويتم تأجيل الهجوم على نواقشوط؛ البعض ومنهم هو- الولي- أصر على مهاجمة نواقشوط، وحسم الأمر بقوله:" نهاجم انواقشوط ولو بطلقة مسدس."


زادت المتاعب. بالإضافة إلى فقدان المحروقات، قامت إحدى دوريات المناورة بالهجوم على الزويرات، لكن، وأمام دهشة الجميع، فر أحد افرادها واخبر الموريتانيين بأمر القوة التي ستهاجم نواقشوط، لكن الموريتانيين ظنوا أنه يضلل فقط فلم يعيروه أي اهتمام. كل هذا أُضيف إلى صعوبة العبور. كانت هناك أمام الدورية ثلاث طرق: طريق سهلة لكن طويلة، وطريق صعبة لكن قصيرة وثالثة سهلة لكن بها الحراسات المتحركة وتمر بها دوريات العدو. حسم الولي الأمر مثلما يفعل دائما: يجب العبور من الطريق الثانية، القصيرة لكن الصعبة والتي تمر من الذراع الرملي المعروف. في الطريق انقلبت السيارة الكورطة التي كان فيها الولي، لكن لم يصاب بأذى. في تلك الأثناء كانت القوات الموريتانية، مجهزة بآليات جديدة مدرعة، قد خرجت في أثر دورية المناورة التي هاجمت الزويرات واشتبكت معها عند موقع تورين. كانت معركة غير متكافئة بين لانروفير والكلاش وبين الآليات المدرعة التي يستعملها الموريتانيون أول مرة. حدث الكثير من الخسائر في القوة الصحراوية.

في يوم سابع جوان كشفت الدورية المتجهة نحو انواقشوط دورية موريتانية تمر بالقرب منهم فبدؤوا يتشارون هل ينقضون عليها أم لا؟ لكن الولي حسم الأمر مرة اخرى قائلا: نحن ذاهبون إلى نواقشوط وليس إلى دورية صغيرة قد تسبب لنا المشاكل." توجهت الدورية نحو ابيار أهل الحاج، لكن وجدوا الماء مالحا وغير صالح للشرب. حين كانوا عند البئر المذكورة فتح احد المقاتلين المذياع، والتقط إذاعة موريتانيا التي قالت أن رئيس وزراء موريتانيا صل ولد عبد العزير سيزور مدينة ڭـجوجت في اليوم الموالي.. تم إشعار الولي بذلك فأقام محاضرة للمجموعة وقت المغرب. قال لهم إن الشاحنات ستعود وستلتحق بدوريات المناورة وتعود إلى الرابوني، أما الباقي من القوة فيجب إن يسري ليلا ويصبح في كجوجت. بسبب الحماس لأصطياد الوزير الأول الموريتاني ومهاجمة موكبه، أجمعوا كلهم على أنهم يستطيعون أو يكونوا باكرا في المكان المحدد( كجوجت).كانت الفكرة هي مهاجمة رئيس وزراء موريتانيا أو أسره إذا زار المدينة. باتت الدورية سارية نحو كجوجت فوصلتها على الخامسة أو السادسة صباحا، وقبل دخولها أخبرهم رعاة للغنم أن تلك الزيارة تم إلغاؤها في آخر لحظة. من الممكن جدا أن السلطات الموريتانية قد علمت بالدورية فألغت الزيارة.

الطريق نحو نواقشوط كانت صعبة، وزاد من صعوبتها المفاجأت. اكتشفت الدورية مجموعة من الشاحنات عند مقهى في الطريق فاستولت عليها. أقام الولي محاضرة لأصحاب تلك السيارات والشاحنات، وقال لهم :" نحن والموريتانيون لا توجد بيننا مشاكل. المشاكل بيننا نحن ونظام ولد داداه."

حين غادرت الدورية المكان تم حرق الشاحنات الحكومية بقصد تعطيلها، لكن، لسوء الحظ، اشتعلت خزانات وقودها.. تعقد الوضع أكثر. اشتعلت النيران أكثر من اللازم، وأصبحت تُرى من بعيد ويمكن اكتشافها. اكتشفت الطائرات النيران فتم توجيه قوة من الدرك الموريتاني للتصادم مع الدورية. فقدَ عنصر المفاجأة دوره في العلمية بكاملها. على الساعة التاسعة من يوم ثامن جوان تم الاشتباك مع القوة الموريتانية التي لم تستطيع أن تصمد أكثر من ربع ساعة. أعاد الولي تشكيل القوة من جديد:

- المجموعة الأولى من خمس سيارات ويقودها سيدي احمد الرقيبي وتقصف مطار نواقشوط؛ المجموعة الثانية وتتكون من 4 سيارات ومسلحة بالهاونات والرشاشات وتقصف القصر الرئاسي ويقودها الحاج بداتي، أما المجموعة الثالثة، مجموعة الولي، فتتكون من ثلاث اندروفيرات وشاحنة، وستبقى في ذلك المكان الذي يبعد عن نواقشوط ب 55كلم. المجموعة التي بقيت –مجموعة الولي- تعرضت للقصف وللمناوشات مع دوريات موريتانية، لكن كل ذلك تم نسيانه حين سمعوا على التاسعة صباحا الهاونات تقصف نواقشوط. تم تنفيذ العملية بنجاح. بعد حوالي ساعة ونصف بعد ذلك فتح الولي المذياع فسمع إذاعة تذكر العلمية ففرح فرحا شديدا، وبدأ شبه يصرخ:" هذا يوم تاريخي هاجم فيه الصحراويون عاصمة موريتانيا."

سقطت القذايف في المطار وسقطت قذيفة عند مدخل السفارة المصيرية وفي ساحة القصر، وأصبح خبر الساعة في موريتانيا كلها هو خبر قصف انواقشوط. في طريق الانسحاب تبعت الدوريات الموريتانية الدورية التي فيها الولي، وحين وصلوا إلى بنشاب، وبدؤوا يتزودون بالماء هاجمتهم 5 طائرات. أطلقوا نحوا الرصاص وكان الولي يرمي برشاش دوشكا أيضا. فرت الطائرات بعد أن أصيبت واحدة منها، وذهب الولي في سيارة ومعه سيارة أخرى لتفجير الأنابيب التي توصل الماء للمدينة. تم تفجير الأنابيب ووصلت الدورية الموريتانية التي كانت تتعقبهم وحالت بينه هو ومجموعته. كان في سيارة يحاول قطع بعض الكثبان الرملية فتوغلت السيارة في الكثبان ولم تستطيع الخروج. حين كانت سيارته تحاول الخروج وصلت إليه الدورية الموريتانية؛ أصيبت سيارته، عندها نزل منها، اخذ وضعية الرماية وبدأ يقاتل بشجاعة. حين رفض إن يستسلم أطلق نحوه ضابط موريتاني صاروخ ر ب ج 7 فأحرقت نصفه الأيمن.

كانت العميلة، رغم صعوبتها الميدانية والعسكرية، ناجحة سياسيا ووصل صداها إلى كل العالم، لكن من نتائجها الكبيرة أن كبرياء المختار ولد داداه تم الدوس عليه، وأصبح يحس إن الصحراويين قوة كبيرة سيكون لها ألف حساب في المنطقة، وأنه سيصلون إليه في يوم من الأيام.


السيد حمدي يحظيه

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشاب الجزائري الموثر محمد دومير يصنع الحدث في ملف الصحراء الغربية

 ‏بعد التحقق من المعلومات الواردة في عدة وثائق تثبت استقلالية الصحراء الغربية تاريخيا، بما في ذلك رسائل ومعاهدات سلاطين مراكش. قمت بإرسالها للجنة الرابعة للامم المتحدة لانهاء الاستعمار، و طلبت أن أعرضها بقاعة الاجتماعات هذا الأسبوع أمام كل العالم..  انتظرونا من نيويورك

مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية: البوليساريو انتهجوا وسائل قانونية للمقاومة وعملوا على بناء مؤسسات دولة ديمقراطية وشاملة وكسبوا ثقة العالم.

 نشرت مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية مقالًا للكاتبة هانا راي أرمسترونج تناولت فيه السياسات التي يمكن أن تنتهجها إدارة بايدن لحل النزاع بشأن الصحراء الغربية. تستهل الكاتبة مقالها بالإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وَقَّع إعلانًا (أحادي الجانب) في ديسمبر  2020 يعترف بالسيادة المغربية على منطقة تبلغ مساحتها 100 ألف ميل مربع متنازع عليها منذ نصف قرن: الصحراء الغربية، ماضيًا بذلك في عكس اتجاه سياسة أمريكية طويلة الأمد بالتزام الحياد في المواجهة بين الحكومة المغربية، وجبهة البوليساريو، التي تسعى لاستقلال الصحراء الغربية. ونوَّهت الكاتبة إلى أن ترامب أيَّد مطالبة المغرب بالسيادة على الصحراء مقابل تطبيع الرباط لعلاقاتها مع إسرائيل، والانضمام إلى اتفاقات أبراهام. وتسببت هذه المقايضة في انهيار اتفاق لوقف إطلاق النار؛ مما أدَّى إلى تجدد القتال، وتزايد التوترات في المنطقة. وتلفت الكاتبة إلى أن الأمم المتحدة تحاول استئناف عملية سياسية من شأنها التغلب على المأزق الحالي، ورفضت المغرب تنفيذ استفتاء شعبي تدعمه الأمم المتحدة من شأنه أن يحدد وضع الصحراء الغربية، وبدلًا عن ذلك قدَّم المغر...

أبي بشراي البشير يؤكد " القرار الصادر عن القسم القانوني في مجلس الإتحاد الأوروبي مهم للغاية ويؤكد القراءة السليمة لقرار محكمة العدل الأوروبية

  الشهيد للحافظ ، 02 فبراير 2025 (واص) -  أكد ممثل  جبهة البوليساريو لدى سويسرا والأمم المتحدة والمنظمات الدولية بجنيف, السفير أبي بشراي البشير, أن الرأي الصادر عن القسم القانوني في مجلس الاتحاد الأوروبي "مهم للغاية" لأنه يؤكد "القراءة السليمة لقرارات محكمة العدل الأوروبية الصادرة يوم 4 أكتوبر 2024 والتي تم بموجبها رفض طعون المفوضية والمجلس ضد قرار المحكمة العامة ليوم 29 سبتمبر 2021 وتأكيد قرار إلغاء الاتفاقيات بين المغرب والاتحاد الأوروبي.  وذلك - يضيف الدبلوماسي الصحراوي - بسبب شموليتها  اللاشرعية للصحراء الغربية, وهي الإقليم المتمايز والمنفصل عن المملكة المغربية, دون الحصول على موافقة الشعب الصحراوي المعني الحصري بالحق في تقرير المصير, وبالتالي السيادة على الإقليم وثرواته". وأضاف في تصريح لو" واج "  أن "هذا الرأي القانوني يعزز الانطباع الحاصل لدى الأوروبيين بتقلص هامش المناورة أمام المفوضية في محاولاتها الدائمة للقفز على قرارات العدالة الأوروبية, ويحمل رسالة واضحة إلى المفوضية بضرورة احترام تلك القرارات والالتزام بمحتواها". كما شدد الدبلوماسي ...