الهندسة النفسية للشعوب: كيف يستخدم المخزن المغربي أدوات السيطرة العقلية ضد الشعب الصحراوي؟
منذ عقود، يعمل النظام المغربي (المخزن) على تنفيذ منظومة متعددة الأبعاد لإخضاع الشعب الصحراوي، ليس فقط عبر القمع المادي المباشر، بل عبر ما يمكن تسميته بـ"الحرب العقلية" أو السيطرة على الوعي الجماعي، وهي أدوات نفسية ودعائية تقوم على مزيج من التضليل، والإيحاء، والتكرار، والترويع، بهدف تفكيك البنية المعنوية للمجتمع الصحراوي.
السيطرة على الوعي الجماعي: من النظرية إلى التطبيق المغربي
تشرح الباحثة المصرية د. مايا صبحي مفهوم "التحكم في الوعي الجماعي" كجزء من الحرب النفسية التي تُمارس على الشعوب لإعادة تشكيل إدراكهم الجماعي وتوجيه سلوكهم. هذا المفهوم ينطبق بشكل عميق على السياسات التي ينتهجها المخزن المغربي في الأراضي الصحراوية المحتلة:
1. التضليل الإعلامي وصناعة الواقع المزيف
المخزن يضخ بشكل متواصل عبر إعلامه الرسمي والرقمي سرديات مشوهة عن الواقع الصحراوي، تُظهر المغرب كفاعل تنموي و"محرر"، وتصور الصحراويين الرافضين للاحتلال كعملاء أو متطرفين. هذه الاستراتيجية تسعى إلى خلق انفصال بين الإنسان الصحراوي وواقعه، بحيث يصبح أسيرًا لسردية سلطوية بعيدة عن تجربته الذاتية.
2. التكرار والإيحاء الرمزي
تُزرع رموز الدولة المغربية (العلم، الملك، الخطابات الرسمية) في كل مفاصل الحياة الصحراوية، من المدارس إلى الشوارع، بهدف إعادة برمجة الحس الجماعي وتطبيع الوجود المغربي كأمر اعتيادي. هذا التكرار المستمر يخلق نوعًا من الإذعان اللاواعي للسلطة.
3. الترويع الجمعي وإنتاج الصدمة
عبر الاعتقالات العشوائية، واقتحامات المنازل، والاعتداءات الليلية، ينتج المخزن حالة من الرعب الجماعي في المجتمع الصحراوي، تشبه ما تسميه مايا صبحي بـ"الصدمة النفسية الجمعية". هذه الصدمة تجعل الناس أكثر تقبلاً للخضوع وتقليل مقاومة السلطة.
4. خلق هوية بديلة مُشوّهة
يُروج المخزن لمفاهيم مثل "الجهوية المتقدمة" و"التنمية في الأقاليم الجنوبية" كبدائل عن الهوية الوطنية الصحراوية، في محاولة لتفكيك البنية الرمزية للانتماء، واستبدالها بوعي زائف يرتبط بالسلطة.
5. التحكم بالمصادر الرمزية والثقافية
تتم السيطرة على الإعلام المحلي، والمهرجانات الثقافية، والمؤسسات التعليمية، لصياغة خطاب يخدم السلطة. وتُمنع الرموز الثقافية الصحراوية (مثل الشعر المقاوم أو الراية الوطنية) من التداول أو التعبير العلني.
6. استغلال هفوات الجبهة وتشويه القضية
يستغل المخزن المغربي الثغرات في أداء جبهة البوليساريو، مهما كانت طبيعتها، لتشويه القضية الصحراوية وتدمير معنويات الشعب بشكل جماعي. فهو يربط أي فشل أو تأخر أو خلل، مهما كان طبيعيًا في سياق الحراك التحرري، بسردية مفادها أن المشروع الوطني فاشل أو بلا أفق.
7. استهداف الإنسان الصحراوي وامتداداته الجغرافية
استراتيجية المخزن لا تستهدف فقط الصحراوي داخل الأرض المحتلة، بل تمتد إلى مخيمات اللجوء والشتات، في محاولة لخلق بيئة من الانقسام والتشكيك. وهو يستخدم أدوات مستوحاة من الاحتلال الصهيوني، مدعومًا لوجستيًا وإعلاميًا من دولة الإمارات العربية المتحدة.
8. الحرب الإعلامية غير التقليدية وزعزعة الثقة
الهجمة الإعلامية المكثفة في الفترة الأخيرة تسعى إلى خلق تشكيك جماعي في الطريق نحو النصر، عبر بث رسائل سلبية تدعو إلى الاستسلام أو العدمية السياسية. المخزن يسعى من خلال هذا الأسلوب إلى تآكل الروح المعنوية وتدمير وحدة الشعب، وتشتيت شمله.
9. تغطية على الأزمة الداخلية في المغرب
الهجوم الحالي ليس معزولًا عن السياق المغربي، بل يأتي كمحاولة لتغطية أزمة الداخل المغربي، خصوصًا ما يُحكى عن عملية انتقال الحكم في الأسابيع المقبلة، ومحاولة شغل الرأي العام عن تصدعات النظام الداخلية.
الخلاصة:
ما يمارسه المخزن المغربي في الصحراء الغربية يتجاوز القمع البوليسي إلى قمع أكثر خفاءً وعمقًا: قمع العقل والوجدان والذاكرة. إنها حرب على الوعي، تستخدم أدوات حديثة في البرمجة النفسية، بما يجعل من إعادة بناء الوعي الصحراوي مهمة نضالية من الدرجة الأولى.
إن تحرير الأرض لا يكتمل بدون تحرير الوعي. وإن مقاومة الاحتلال تبدأ من فضح أدواته العقلية وتفكيك هندسته النفسية التي تسعى لتحويل الشعب إلى مجرد "جمهور" مطيع فاقد للذاكرة والتاريخ والكرامة.
وفي هذه المرحلة الدقيقة، فإن الصحراويين معنيون أكثر من أي وقت مضى بالصبر والصمود، وتعزيز وحدتهم الوطنية، وخلق أفكار جديدة وخارجة عن النمط التقليدي، على أن تكون هذه الأفكار مرتبطة بأفعال ميدانية حقيقية في كل المجالات: الإعلام، الثقافة، الاقتصاد المقاوم، والتربية الوطنية. كما أن المرحلة تتطلب تصالحًا عميقًا مع الذات ومع الواقع الوطني، ومعالجة الاختلالات بروح نقدية وبناءة تصب في مشروع التحرر الوطني.
بقلم : مناضلة من الارض المحتلة
تعليقات
إرسال تعليق