الجيش الشعبي الصحراوي: العصرنة، الرصيد القتالي الغني، والتطور المتسارع
لم ينشأ الجيش الشعبي الصحراوي، ولا المقاتل الصحراوي، من فراغ، بل تأسس على إرث مقاومة طويلة امتدّت عبر قرون، وبوجه خاص المقاومة الصحراوية التي بدأت منذ القرن الخامس عشر ضد محاولات الغزو الاستعماري، وكان أبرزها مقاومة الاستعمار الفرنسي، في بيئة بدوية أقرب إلى الأكاديمية العسكرية.
بدأت المسيرة المعاصرة للجيش الشعبي الصحراوي بمعركة الخنكة التاريخية في 20 مايو 1973، بأسلحة تقليدية وعدد محدود من المقاتلين. شارك في هذه العملية 17 مقاتلًا فقط، مزودين بثماني بنادق بدائية، وخمسة جمال، وكمية محدودة من الذخيرة
ومع ذلك، فإن المتتبع لمسار تطور الجيش منذ تلك اللحظة يدرك حجم النقلة النوعية التي تحققت؛ إذ تحول من مجموعة صغيرة إلى أحد أكثر الجيوش تنظيمًا وتقدمًا في إفريقيا، بحسب شهادات العديد من القادة الأفارقة الذين زاروا الدولة الصحراوية.
يتكوّن الجيش الشعبي الصحراوي اليوم من سبع نواحٍ عسكرية، موزعة على مختلف المناطق المحررة.
التطور المتسارع:
- 1976: إسقاط أول طائرة مغربية.
- 1981: إدخال الدبابات، وناقلات الجنود المدرعة من طراز BMP، إلى جانب منظومات الدفاع الجوي “سام”، في معركة القُلة التاريخية، والتي سُمّيت بـمجزرة القوات الجوية المغربية، نظرًا للخسائر الفادحة التي لحقت بالقوة الجوية المغربية.
الرصيد القتالي والتجريبي:
لقد خاض الجيش الشعبي الصحراوي آلاف المعارك ضد قوى الاحتلال المختلفة، بدءًا من الاستعمار الإسباني، مرورًا بالغزو الموريتاني، ثم الحرب المستمرة ضد الاحتلال المغربي.
وخلال 16 عامًا من العمليات العسكرية، خاض الجيش أكثر من 3000 معركة بطولية، بفضل الطابع اللامركزي لعمل النواحي العسكرية، حيث كانت كل ناحية تتمتع باستقلال نسبي في اتخاذ القرار الميداني.
ومن أبرز هذه المعارك: الوركزيز، لنكاب، أمغالا، السمارة، وقلتة زمور، وغيرها من الملاحم الأسطورية التي سطّرها المقاتل الصحراوي بشجاعة وإقدام.
وقد أسفرت هذه المواجهات عن مقتل أكثر من 39,000 جندي مغربي، وأسر نحو 4,500 آخرين.
أما الجرحى (المعطوبون)، ووفقًا للقاعدة العسكرية التي تشير إلى وجود ثلاثة جرحى مقابل كل قتيل، فقد تجاوز عددهم 100,000 معطوب.
الكلفة البشرية والمادية للحرب:
دفعت المملكة المغربية بأكثر من 150,000 جندي إلى الصحراء الغربية، في محاولة للسيطرة على الأرض وكسر إرادة الصحراويين.
وقد تكبّدت الدولة المغربية، نتيجة للحرب الطويلة، خسائر اقتصادية تفوق 150 مليار دولار، تشمل الإنفاق العسكري، بناء جدار الذل، وتكاليف الاحتلال خلال 16 سنة من المواجهة.
النتيجة والسيطرة الميدانية:
كان من أبرز نتائج هذه المعارك بناء “جدار العار” المغربي، الذي يُعدّ أكبر شاهد على هزيمة الجيش المغربي، الذي تحصّن خلفه في خطوة عبّرت بوضوح عن فقدان إرادة المواجهة، وتكريس الهزيمة الاستراتيجية.
ومنذ 13 نوفمبر 2020، لم تخرج أي وحدة مغربية من خلف هذا الجدار، في مؤشر واضح على تواصل فقدان السيطرة الميدانية، رغم القصف والمواجهات اليومية التي تخوضها القوات الصحراوية.
واليوم، يبسط الجيش الشعبي الصحراوي سيطرته على أكثر من 65,000 كيلومتر مربع من الأراضي المحررة، ما يمثل أكثر من 30% من التراب الوطني الصحراوي. وهي مساحة شاسعة تفوق مساحة عشرات الدول المعترف بها، وتشكل قاعدة خلفية استراتيجية لإدارة الصراع والمقاومة المستمرة حتى نيل الاستقلال الكامل
تعليقات
إرسال تعليق