في سياق المشروع الصهيوني بفلسطين، لم يكن التعليم مجرد وسيلة للمعرفة، بل أداة استعمارية منظمة تسعى لتأهيل الكوادر بما يخدم مشروع الدولة الصهيونية. في هذا الإطار تأسس معهد التخنيون (جامعة الطلائعية الصهيونية (بالعبريّة: הטכניון - מכון טכנולוגי לישראל) ت
في مدينة حيفا عام 1912، ليصبح أول جامعة تقنية في فلسطين، واضعًا لنفسه هدفًا واضحًا: إعداد مهندسين وتقنيين لخدمة مشروع الاستيطان الصهيوني.
مرت السنوات الأولى للتخنيون بتحديات مالية ولوجستية، ولم يُفتح للتدريس إلا في عام 1924، حيث تزامن هذا الافتتاح مع تصاعد عمليات الاستيطان وفرض البنية التحتية لربط المستوطنات بالشبكة العامة، وهو ما كان يحتاج إلى أيدٍ عاملة متعلمة قادرة على تخطيط الطرق، بناء شبكات المياه، وإنشاء المصانع التي تخدم الاقتصاد الصهيوني الناشئ.
من أداة للبناء إلى دعم الدولة الصهيونية بعد 1948
بعد إعلان قيام الكيان الصهيوني عام 1948، أخذ التخنيون دورًا جديدًا أكثر عمقًا في دعم الدولة. لم يعد مجرد مؤسسة تعليمية، بل تحول إلى مركز استراتيجي في إنتاج الكوادر الفنية التي ساهمت في بناء الجيش الإسرائيلي والصناعات الدفاعية المتقدمة، إضافة إلى تطوير البنية التحتية للموانئ وشبكات النقل والطاقة التي ساعدت الدولة الصهيونية على ترسيخ وجودها وتعزيز قوتها داخليًا وخارجيًا.
التحول إلى ذراع تكنولوجي استراتيجي
مع تسارع الثورة التكنولوجية، حافظ التخنيون على ارتباطه الوثيق بأهداف المشروع الصهيوني، حيث تحول إلى منصة رئيسية للأبحاث المتقدمة في الذكاء الاصطناعي، هندسة الفضاء، الطب الهندسي، وتكنولوجيا الدفاع. إن الشراكات القائمة بين التخنيون والشركات العالمية مثل Intel، Google، وApple، ليست مجرد تعاون علمي، بل جزء من استراتيجية إسرائيلية تعتمد على توظيف التكنولوجيا كوسيلة لتعزيز التفوق العسكري والأمني والاقتصادي في المنطقة.
اليوم، يوصف التخنيون بأنه “MIT إسرائيل”، لكنه في حقيقته يعد امتدادًا لمشروع استعماري استيطاني جعل من التعليم والتكنولوجيا وسيلتين لتحقيق السيطرة والتوسع. تدل أبحاثه الدفاعية وتطويره للطائرات بدون طيار وأنظمة المراقبة على استمرارية الدور الأمني لهذه المؤسسة تحت غطاء التعليم والأبحاث.
خاتمة
منذ بداياته في حيفا وحتى تحوله إلى واحدة من أهم الجامعات التقنية عالميًا، ظل التخنيون جزءًا لا يتجزأ من البنية الاستعمارية الصهيونية في فلسطين، حيث لم يكتفِ بإنتاج المعرفة التقنية بل جعلها خادمة لمشروع سياسي استيطاني توسعي، ليبقى مثالًا على كيفية توظيف التعليم والبحث العلمي كأداة هيمنة سياسية في سياق الاستعمار الحديث
تعليقات
إرسال تعليق