ما هي الضمانات التي يمكن أن تدفع الشعب الصحراوي إلى وقف إطلاق النار؟
منذ اندلاع النزاع في الصحراء الغربية بعد انسحاب الاستعمار الإسباني سنة 1975، ظل الشعب الصحراوي يخوض معركة مريرة، ليس فقط ضد الاحتلال العسكري المغربي، بل أيضًا ضد سلسلة طويلة من الخداع السياسي والخذلان الدولي. وقد أصبح وقف إطلاق النار، في نظر الصحراويين، ليس خطوة نحو السلام، بل وسيلة استخدمها الطرف الآخر لكسب الوقت وتمكين واقع الاحتلال.
خلفية تاريخية مشبعة بالخداع وخرق العهود
لم تكن اتفاقية وقف إطلاق النار الموقَّعة سنة 1991 مجرد نهاية لحرب ميدانية تم تمريغ أنف الجيش المغربي فيها بتراب الصحراء الطاهرة، بل كانت بداية مرحلة جديدة بُنيت على وعود دولية بتنظيم استفتاء لتقرير المصير. إلا أن هذه الوعود، وعلى رأسها التزام المغرب، سرعان ما تحوّلت إلى مناورة سياسية لعرقلة الاستفتاء وتكريس الاحتلال من خلال الاستيطان وتغيير التركيبة الديمغرافية.
وقد تميّزت مواقف النظام المغربي، حسب وجهة نظر الصحراويين، بـ:
- نقض العهود: كما في تعهّد الحسن الثاني ببدء مفاوضات بعد فكّ حصار الزاك، والذي لم يُنفَّذ.
- المراوغة والغدر السياسي: كما حصل في تفكيك مخيم “أكديم إيزيك”، رغم الاتفاق مع الناشطين الصحراويين على تلبية مطالبهم الاجتماعية.
- سياسة ربح الوقت: اعتماد استراتيجية “الانتظار إلى أن يُنهَك الطرف الآخر” دون تقديم حلول حقيقية.
غياب الثقة في الضمانات الدولية
مرّ الشعب الصحراوي بتجربة طويلة مع الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وبعثة “المينورسو”، أدت إلى قناعة راسخة بأن القانون الدولي لا يُنصف الضعفاء، بل يُستخدم من قبل القوى العظمى لخدمة مصالحها بطرق غير مكلفة.
فحتى الآن:
- لم يُنظَّم الاستفتاء.
- لم تُمدَّد صلاحيات “المينورسو” لتشمل مراقبة حقوق الإنسان.
- لم تُفرَض أي عقوبات دولية على المغرب رغم الانتهاكات.
خطاب الملك المغربي: إقرار بالعجز والفشل؟
جاء خطاب الملك المغربي الأخير بمثابة إعلان رسمي عن فشل الاحتلال وحلفائه في شرعنة الوضع القائم، ومحاولة جديدة – فاشلة – لاستدراج الشعب الصحراوي إلى الحلول العرجاء، مما أكد للصحراويين أن أي دعوة جديدة لوقف إطلاق النار ليست سوى إعادة تدوير للمؤامرات السابقة تحت غطاء جديد.
ما هي الضمانات التي يمكن الوثوق بها؟
بناءً على تجربة عقود من النضال، فإن الضمان الوحيد القادر على إقناع الشعب الصحراوي بوقف إطلاق النار هو الانسحاب الكامل للقوات المغربية من أراضي الصحراء الغربية إلى خارج الحدود المغربية القانونية الموروثة عن الاستعمار.
أما باقي “الضمانات الشكلية”، كالمفاوضات غير المشروطة أو الإشراف الأممي، فقد أثبت الواقع أنها آليات للتسويف السياسي، وليست أدوات لتحقيق العدالة.
لقد أثبتت السنوات الماضية أن وقف إطلاق النار بدون إرادة حقيقية لحل النزاع هو فخ سياسي يُستخدم لإخماد صوت المقاومة، وتحويل الصراع إلى مجرد ملف دبلوماسي يُتاجر به في أروقة المصالح الدولية.
لهذا، يرى الصحراويون اليوم أن العودة إلى الكفاح المسلح ليست خيارًا متطرفًا، بل هي الرد الوحيد المنطقي على غياب الضمانات الجدية، وتواطؤ المجتمع الدولي مع استمرار الاحتلال
تعليقات
إرسال تعليق