يبدو أن التاريخ يعيد نفسه، فكما سقطت قوى استعمارية كبرى بعد نفاد أدواتها السياسية والعسكرية والدعائية، يواجه الاحتلال المغربي للصحراء الغربية اليوم مرحلة مشابهة من العجز والتراجع. فبعد عقود من فرض السيطرة بالقوة ومحاولات التجميل السياسي، بات من الواضح أن الرباط وحلفاءها بدأوا يشعرون بأن الاحتلال يقترب من نهايته الحتمية.
منذ استئناف الكفاح المسلح في 13 نوفمبر 2020، تحوّل المشهد السياسي والعسكري في المنطقة. فقد أفشل الشعب الصحراوي محاولة فرض الأمر الواقع عليه منذ عقود، وأعاد طرح خيار المقاومة المسلحة كأداة شرعية واختيار استراتيجي ضد الاحتلال، ما أربك حسابات المغرب وداعميه. ومع هذا التحول، بدأ الترويج في الأوساط الإعلامية والدبلوماسية لمقترحات جديدة، مثل الفيدرالية أو تقسيم الإقليم، كبدائل للحكم الذاتي الذي فشل المغرب في فرضه على الصحراويين.
هذا التبدل في الخطاب المغربي والدولي لا يمكن قراءته إلا كإقرار ضمني بنهاية صلاحية مشروع “الحكم الذاتي”، وفشل كل محاولات شرعنة الاحتلال تحت غطاء “الحل السياسي الواقعي”. ما يجري اليوم هو نوع من “جس النبض” والتمهيد النفسي لقبول سيناريوهات أخرى، حتى لو كانت غير مفضلة للرباط. وهذا بدوره يعكس أزمة حقيقية في الرؤية الاستراتيجية المغربية تجاه الصحراء الغربية.
من المؤكد أن الترويج لهذه المقترحات الجديدة يدخل أيضًا ضمن الحرب النفسية التي يمارسها الاحتلال، سواء تجاه الشعب الصحراوي أو حتى تجاه جمهوره الداخلي، في محاولة لتفادي صدمة الانهيار أو التنازل. إلا أن التوجه نحو حلول كالفيدرالية أو التقسيم يكشف أن الاحتلال المغربي قد استنفد جميع أوراقه التقليدية، وأنه بات يُدرك أن الزمن لم يعد في صالحه، ويحاول ألّا يخرج بخفَّي حُنين.
في السياق التاريخي، لطالما لجأت القوى الاستعمارية إلى طرح حلول “مرحلية” أو “تسويات شكلية” عندما تبدأ بالانهيار. والتاريخ يخبرنا أن مثل هذه المحاولات غالبًا ما تسبق النهاية، لا تمنعها.
إن الشعب الصحراوي، بمقاومته المستمرة، وبتماسك وحدته الوطنية المتزايدة، ووحدة التصور، يُثبت أن قضيته لا يمكن تصفيتها من خلال حلول ملتوية، وأن مصيره لا يُحدده إلا عبر استفتاء حر ونزيه لتقرير المصير، وفق ما تضمنه الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة… أو بأفواه البنادق.
✍️Mijek Media
تعليقات
إرسال تعليق