الدبلوماسية زمن الحرب: بين القوة الناعمة وضرورات الميدان – دراسة حالة الدبلوماسية الصحراوية

 المقدمة

تشكل الدبلوماسية الوجه الناعم للسياسة الخارجية، وهي الأداة التي تمكّن الدول من إدارة علاقاتها الدولية بالطرق السلمية أو التفاوضية، بعيدًا عن أدوات الصراع الصلبة كالقوة العسكرية. إلا أن دور الدبلوماسية يزداد تعقيدًا وأهمية في أوقات الحرب، حيث تصبح وسيلة لإدارة الصراع، وتأمين الدعم الدولي، وتوظيف الانتصارات العسكرية لتحصيل مكاسب سياسية ودبلوماسية.

وفي السياق الصحراوي، استطاعت الدبلوماسية الصحراوية، رغم محدودية الإمكانيات، أن تحقق إنجازات مهمة، أبرزها تثبيت الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية داخل الاتحاد الإفريقي، وانتزاع اعترافات سياسية وقانونية دولية بتمثيل جبهة البوليساريو للشعب الصحراوي. غير أن عودة الكفاح المسلح منذ نوفمبر 2020 أبرزت جوانب قصور واضحة، خصوصًا فيما يتعلق بجلب الدعم المادي واللوجستي الضروري لتطوير الجيش الشعبي الصحراوي وضمان استمرارية المعركة.

يطرح هذا الواقع إشكالية جوهرية: كيف يمكن للدبلوماسية الصحراوية أن تعيد ترتيب أولوياتها لتصبح أداة استراتيجية لدعم الكفاح المسلح؟

الإشكالية

إن الدور التقليدي للدبلوماسية يركز على التفاوض وكسب الشرعية الدولية، لكن في زمن الحرب تصبح الأولوية للقدرة على جلب الدعم المادي واللوجستي للميدان العسكري. وهنا تبرز الإشكالية الرئيسية:

هل يمكن للدبلوماسية الصحراوية أن تتجاوز دورها التقليدي لتصبح أداة حقيقية لدعم المجهود الحربي، أم أنها ستبقى رهينة الإنجازات الرمزية؟

الفرضيات

1. الفرضية الأولى: النجاح السياسي والدبلوماسي لا قيمة له دون تعزيز القدرات العسكرية واللوجستية على الأرض.

2. الفرضية الثانية: إعادة هيكلة الدبلوماسية الصحراوية يمكن أن تُحدث تحولًا نوعيًا إذا ما تم ربطها بشكل مباشر بدعم الجيش الشعبي الصحراوي.

3. الفرضية الثالثة: تجارب التاريخ تثبت أن الحروب تُحسم عندما تتكامل الدبلوماسية مع القوة العسكرية.

أولًا: مفهوم الدبلوماسية زمن الحرب

تختلف الدبلوماسية زمن الحرب عن نظيرتها في زمن السلم. ففي حين تُعنى الدبلوماسية التقليدية ببناء العلاقات، والتفاوض، وتجنب النزاعات، فإن الدبلوماسية زمن الحرب تتحول إلى أداة لإدارة الصراع من خلال:

• حشد الدعم الدولي سياسيًا واقتصاديًا.

• عزل العدو سياسيًا وقانونيًا على الساحة الدولية.

• تحويل الانتصارات العسكرية إلى مكاسب سياسية يمكن البناء عليها.

• التأثير على الرأي العام العالمي لتبني مواقف داعمة.

وقد أظهرت تجارب الحروب العالمية أن الدول التي استطاعت توظيف دبلوماسيتها بفعالية كانت قادرة على كسب تحالفات قوية غيرت مجرى الصراع.

ثانيًا: الدبلوماسية الصحراوية – إنجازات وتحديات

1. الإنجازات

• تثبيت الشرعية الإفريقية: انضمام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية إلى الاتحاد الإفريقي، واعتراف العديد من الدول بها.

• المكاسب القانونية: صدور قرارات من محكمة العدل الأوروبية تؤكد أن الصحراء الغربية ليست جزءًا من المغرب، وأن أي استغلال للموارد الطبيعية يجب أن يتم بموافقة الشعب الصحراوي ممثلًا بجبهة البوليساريو.

• محاصرة الاحتلال المغربي دبلوماسيًا: ما دفعه إلى خطوات سياسية كشفت ضعفه، مثل التطبيع العلني مع إسرائيل.

2. التحديات

مع عودة الكفاح المسلح منذ 2020، ظهرت ثغرة واضحة في الدبلوماسية الصحراوية تتمثل في:

• ضعف القدرة على جلب الدعم المادي واللوجستي الضروري لتقوية الجيش الشعبي الصحراوي.

• التركيز المفرط على المكاسب الرمزية على حساب تعزيز القدرات العسكرية.

• عدم تطوير استراتيجية اقتصادية ودبلوماسية متكاملة تستهدف تمويل المجهود الحربي.

ثالثًا: تجارب تاريخية لدبلوماسية الحرب

1. الحرب العالمية الثانية

نجحت دبلوماسية الحلفاء في كسب دعم هائل عبر تحالفات واسعة، كما ساعدت “خطة مارشال” في تمويل الحرب وجهود إعادة الإعمار.

2. حرب فيتنام

أدارت فيتنام الشمالية صراعها بذكاء، حيث جمعت بين الكفاح المسلح والدبلوماسية النشطة لكسب دعم الاتحاد السوفيتي والصين، ما ساعدها في مواجهة التفوق العسكري الأمريكي.

3. جنوب إفريقيا ضد الفصل العنصري

لم يكن نضال “المؤتمر الوطني الإفريقي” عسكريًا فقط، بل اعتمد على دبلوماسية قوية أقنعت المجتمع الدولي بفرض عقوبات اقتصادية أضعفت النظام العنصري.

هذه النماذج التاريخية توضح أن الدبلوماسية الناجحة زمن الحرب ليست تلك التي تكتفي بالشعارات، بل التي توفر الموارد اللازمة للميدان.

رابعًا: إعادة هيكلة الدبلوماسية الصحراوية

لتحقيق تحول فعلي، ينبغي أن تتبنى الدبلوماسية الصحراوية استراتيجية جديدة ترتكز على:

1. بناء تحالفات قوية مع دول تمتلك إمكانيات مادية وتقنية لدعم الجيش الشعبي الصحراوي.

2. تطوير دبلوماسية اقتصادية تستهدف استقطاب الدعم المالي والإنساني.

3. التركيز على الإعلام والدبلوماسية الشعبية لتسليط الضوء على عدالة القضية، وكسب الرأي العام العالمي.

4. إشراك الكفاءات الصحراوية والخبرات الدولية لتصميم برامج دعم عسكري ولوجستي مستدام.

5. إنشاء أذرع دبلوماسية خاصة بالتمويل على غرار ما قامت به حركات تحررية أخرى، مثل الثورة الجزائرية، التي اعتمدت على الدبلوماسية لتأمين السلاح والدعم الدولي.

خامسًا: العلاقة بين الدبلوماسية والميدان العسكري

القوة العسكرية وحدها غير كافية، كما أن الدبلوماسية دون دعم ميداني تكون ضعيفة. العلاقة بين الاثنين تكاملية:

• الميدان العسكري يفرض أوراق ضغط على طاولة التفاوض.

• الدبلوماسية الناجحة تؤمّن للميدان الدعم السياسي والمادي الذي يحتاجه.

• أي انتصار عسكري لا يترجم سياسيًا يبقى ناقصًا وغير مكتمل.

ماجاز 

إن الدبلوماسية زمن الحرب ليست مجرد وسيلة تفاوض، بل هي أداة استراتيجية لإدارة الصراع وحسمه لصالح الشعوب. وبالنسبة للقضية الصحراوية، فإن الإنجازات السياسية والدبلوماسية لن تكتمل إلا إذا رُبطت بشكل مباشر بالمجهود الحربي.

على الدبلوماسية الصحراوية اليوم أن تضع جلب الدعم المادي واللوجستي وتطوير الجيش الشعبي الصحراوي في صدارة أولوياتها، وأن تعيد صياغة خريطتها بما يتماشى مع متطلبات الكفاح المسلح. فالنصر في المعارك السياسية والدبلوماسية مرهون بالنصر على الأرض، والعكس صحيح.

✍️MijekMedia