أهداف الاعتراف الغربي بالدولة الفلسطينية: ما وراء الدوافع المعلنة
يظن كثيرون أن موجة الاعترافات الغربية بالدولة الفلسطينية تأتي بدافع التعاطف مع الشعب الفلسطيني ونصرة قضيته العادلة، لكن الواقع السياسي يُظهر أن لهذه الاعترافات أبعادًا استراتيجية وأهدافًا غير معلنة، تختلف جذريًا عن ظاهرها الإنساني.
التباين بين الموقف الغربي والإسرائيلي
ثمة اختلاف جوهري بين رؤية الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، بقيادة بنيامين نتنياهو، وبين مواقف الدول الغربية، حتى تلك التي تُعتبر حليفة تقليدية لإسرائيل. فالحكومة الإسرائيلية ترى في أي كيان فلسطيني -سواء كان سلطة أو دولة- خطرًا استراتيجيًا على ما تسميه “أمن الدولة اليهودية”، بغض النظر عن طبيعته أو موقفه من المقاومة.
أما في المقابل، ترى بعض الدول الغربية، خصوصًا بعد عملية طوفان الأقصى، أن استمرار الاحتلال من دون وجود أفق سياسي سيؤدي إلى انفجارات دورية تهدد الاستقرار الإقليمي، وتضرّ بالمصالح الغربية في المنطقة. من هنا تنبع قناعة بعض الأطراف الغربية بأنه لا يمكن الوصول إلى “سلام دائم” دون وجود دولة فلسطينية، ولكن بشروط محددة.
أهداف غير معلنة وراء الاعتراف الغربي
رغم الطابع الإنساني الذي تحاول هذه الدول إظهاره، فإن الاعتراف الغربي بالدولة الفلسطينية يخدم في الحقيقة جملة من الأهداف السياسية، أبرزها:
1. سحب الشرعية من المقاومة:
يهدف هذا الاعتراف إلى تقويض شرعية قوى المقاومة المسلحة، وخلق بديل سياسي يتمثل في السلطة الفلسطينية أو أي كيان جديد يكون خاضعًا لشروط الغرب. ومن خلال الاعتراف الرسمي، تسعى هذه الدول إلى تكريس نهج “السلام مقابل السلام”، وليس “السلام مقابل الحقوق”.
2. تعزيز السلطة الفلسطينية على حساب المقاومة:
يأتي الاعتراف كوسيلة لتقوية موقف السلطة الفلسطينية، في ظل التراجع الشعبي والسياسي الذي تعانيه، مقابل محاولة كسر شوكة المقاومة التي اكتسبت زخمًا كبيرًا بعد تصعيد غزة والضفة.
3. دولة فلسطينية على المقاس الغربي:
الاعتراف لا يعني دعمًا لدولة فلسطينية ذات سيادة حقيقية، بل لدولة محددة المعالم، منزوعة السلاح، لا تتبنى نهج المقاومة، وتقبل بالحلول السياسية المفروضة. هو اعتراف مشروط، يُستخدم كورقة ضغط لتوجيه الفلسطينيين نحو مشروع “التسوية” فقط.
4. خدمة الأمن الاستراتيجي الإسرائيلي:
من المفارقات أن الاعتراف بدولة فلسطينية على “الطريقة الغربية” قد يصب في مصلحة إسرائيل نفسها، إذ يخفف من الضغوط الدولية عنها، ويظهرها وكأنها تواجه كيانًا شرعيًا يعترف به العالم، وليس حركة مقاومة مشروعة تُطالب بحقوقها.
الاعتراف الغربي بالدولة الفلسطينية ليس بالضرورة انتصارًا سياسيًا نقيًا للشعب الفلسطيني، بل هو تحرك مدروس تسعى من خلاله بعض القوى الغربية إلى إعادة صياغة القضية الفلسطينية بما يخدم مصالحها وأمن حليفتها إسرائيل. وفي هذا الإطار، تصبح الدولة المنشودة “دولة وظيفية”، لا تحمل من السيادة إلا اسمها، وتُفرغ من مضمونها التحرري.
إن وعي الفلسطينيين والعرب بهذه الأهداف الخفية هو الخطوة الأولى نحو بناء مشروع وطني حقيقي، لا يُختزل في الاعترافات الشكلية، بل يستند إلى مقاومة مشروعة، وحقوق ثابتة، وسيادة حقيقية غير قابلة للتجزئة أو المساومة
✍️MijekMedia
تعليقات
إرسال تعليق