شعراء في الظل وصناعة أيقونة الغناء الصحراوي: مريم الحسان أنموذجاً
تُعتبر الفنانة مريم الحسان إحدى أبرز الأصوات النسائية الصحراوية التي ارتبط اسمها بالقضية الصحراوية، وبالكفاح الثقافي والفني الذي جعل من الأغنية الصحراوية أداة للتحريض على العطاء، وغرس القيم الوطنية، وترسيخ الأخلاق والتضحية في سبيل استرجاع الأرض السليبة. لم تكن مريم مجرد صوت يصدح على المسارح أو في المناسبات، بل كانت رمزاً للأم، والممرضة، والإنسانة التي منحت وقتها وجهدها من أجل الاستقلال والتحرر، وعاشت وجع الشتات بكل تفاصيله. مريم أُخت الشهداء
لكن خلف هذا الصوت القوي وهذه التجربة الفنية المتميزة، كان هناك رجال ظلّ، شعراء وملحنون صاغوا الكلمات ونسجوا المعاني لتخرج الأغنية الصحراوية في أبهى حُلّة، متماسكة البناء، قوية الأثر، عميقة الدلالة. هؤلاء الشعراء لم يكونوا مجرد مساهمين عابرين، بل كانوا شركاء حقيقيين في صناعة “الأيقونة” التي تحولت إليها مريم الحسان.
محمد لمين علال الداف: شاعر الظل وذاكرة الأغنية
من بين هؤلاء الرجال يبرز اسم محمد لمين علال الداف، الذي يُعتبر من أعمدة الكلمة الصحراوية المغنّاة. فقد كان شاعر التفاصيل الصغيرة التي تتحول مع الأداء إلى ملحمة، وهو من أعطى لأغاني مريم الحسان بُعدها الفني والوجداني.
كتب محمد لمين علال الداف عشرات النصوص التي صارت فيما بعد جزءاً من الذاكرة الجماعية للصحراويين، مثل:
- معطلا
- طفلة مظلومة
- الشوكة
- سالم
- الثقافة
- المرحلة
- ألو أمي
- الشهداء
- لجواد
- الوداع
- ياللالي مغلى ذي الصحراء (95% من كلماتها من نظمه)
- گد امنين الحنين
- تيراس نبغيها
كما ساهم إلى جانب الشاعر بيبوه في كلمات الأغنية الشهيرة “لحزيم قضى ومضى”. هذه النصوص لم تكن مجرد كلمات، بل رسائل مشحونة بالوجع والأمل، بالتضحية والإصرار على المقاومة.
الأغنية كجبهة موازية للنضال
إن تجربة مريم الحسان ومعها شعراء الظل مثل محمد لمين علال الداف، وبيبوه ولد الحاج، وبادي محمد سالم، والزعيم علال الداف، والبشير ولد اعلي وغيرهم تُظهر أن الأغنية الصحراوية لم تكن فناً ترفيهياً بقدر ما كانت جبهة من جبهات المقاومة الثقافية. فقد لعبت دوراً كبيراً في:
- حفظ الهوية الصحراوية من الذوبان في سياقات اللجوء والتشتت.
- نقل الوجع الجمعي إلى العالم من خلال صوت نسائي حامٍ للذاكرة.
- تعبئة الأجيال الجديدة بروح النضال والتضحية.
إرث خالد يتجاوز الأفراد
إن ما يميز تجربة مريم الحسان وشعراءها هو أن نتاجهم لم يُختزل في شخص أو لحظة، بل تحوّل إلى إرثٍ مشترك، ذاكرة حية تستدعيها الأجيال كلما احتاجت إلى التذكير بالقضية الصحراوية. ومهما غاب أصحاب الكلمة أو رحل الصوت، فإن أثرهم يظل شاهداً على أن الفن يمكن أن يكون بندقية من نوع آخر، أكثر اختراقاً، وأبعد مدى.
✨ بهذا، يظهر أن مريم الحسان لم تكن وحدها “أيقونة” الغناء الصحراوي، بل كانت واجهة لصوت جماعي صنعه شعراء وملحنون في الظل، أبرزهم محمد لمين علال الداف، وعالي أحمد سالم، الذين نسجوا كلمات تحولت إلى شعارات وجدانية وذاكرة غنائية خالدة في وجدان الشعب الصحراوي.
تعليقات
إرسال تعليق