من أين بدأت الكذبة؟
منذ البداية، بَنى النظام المغربي دعايته على فرضية أنّ السيطرة على الصحراء الغربية ستكون سهلة، وأنّ الشعب الصحراوي وأرضه ليسا سوى “غنيمة” يمكن تقاسمها كما يُقسم رغيف الخبز. غير أنّ لحظة المواجهة كشفت حقيقة مغايرة: مقاتل صحراوي صلب، بدويّ ربّته الصحراء على الشجاعة والتحمّل، لا يعرف الاستسلام، ويقاتل بإصرار لا يستوعبه من تربّى في القصور.
السياق الدولي: الحرب الباردة وتواطؤ القوى الاستعمارية
وقعت قضية الصحراء الغربية في قلب مرحلة دقيقة من التاريخ المعاصر، حيث كان العالم يعيش انقسام الحرب الباردة، وكان الاستعمار الإسباني يعيش آخر أيامه في إفريقيا. تواطأت عدة أطراف – إسبانيا، المغرب، موريتانيا، فرنسا، والولايات المتحدة – على حرمان الشعب الصحراوي من حقه في تقرير المصير، خوفًا من بروز كيان مستقل قد يغيّر موازين القوى في المنطقة.
صدمة الدليمي وقادة الجيش المغربي
في أولى المواجهات الميدانية بين الجيش المغربي وجيش التحرير الشعبي الصحراوي، تفاجأ الجنرال أحمد الدليمي، أحد كبار قادة الجيش المغربي، بقدرات المقاتلين الصحراويين وشجاعتهم. وعندما رفع تقريره إلى الحسن الثاني، لم يُخفِ دهشته من روح القتال التي واجهها. وكان ردّ الحسن الثاني قاسيًا: إصدار أوامر بقصف مخيمات النازحين في “أم الدريكة” داخل الأراضي الصحراوية، في محاولة للضغط النفسي وكسر إرادة السكان المدنيين. وهو نفس الأسلوب الذي ينتهجه الاحتلال الإسرائيلي في غزة اليوم.
صناعة الكذبة: من الداخل إلى الخارج
منذ تلك اللحظة، بدأت ماكينة الدعاية المغربية تنسج رواية بديلة: المغرب لا يواجه الصحراويين، بل جيوشًا جزائرية وكوبية وفيتنامية، بل وحتى قوى من “المعسكر الشرقي” بأكمله.
هذه الرواية استُخدمت داخليًا لتبرير طول أمد الحرب وتخفيف وقع الخسائر على المجتمع المغربي، وخارجيًا لكسب دعم سياسي وعسكري من الغرب عبر تصوير المغرب كـ”حائط صد أمام الشيوعية” في شمال إفريقيا.
الموقف الإسباني: انسحاب تحت النار
رغم أن إسبانيا كانت الطرف الاستعماري الأصلي، فإنها سرعان ما وجدت نفسها في مواجهة ضربات المقاومة الصحراوية. منذ 20/05/1973، بدأت القوات الإسبانية تتراجع تحت ضغط العمليات العسكرية النوعية للبوليساريو، حتى اضطرت إلى توقيع اتفاق مدريد الثلاثي في 14 kنوفمبر 1975، والذي سلّمت بموجبه الإقليم للمغرب وموريتانيا. لكن هذا الاتفاق لم ينهِ الحرب، بل فتح فصلاً أعنف من المواجهة.
معركة كلتة زمور: لحظة الانكشاف
تجلّت الكذبة المغربية بشكل أكبر بعد معارك كبرى، خصوصًا معركة كلتة زمور (13 أكتوبر 1981)، حيث تكبّد الجيش المغربي خسائر فادحة، وكانت بمثابة مجزرة للقوات الجوية المغربية في ذلك اليوم التاريخي، مما سبّب هزيمة استراتيجية ما زال المغرب يحاول إخفاء آثارها إلى اليوم.
حينها روّج الحسن الثاني بين حلفائه الغربيين أنّ المغرب في مواجهة مباشرة مع قوى المعسكر الشرقي، وذلك لطلب دعم عسكري ومالي واسع بعد انهيار قواته في الميدان.
الإعلام الغربي وتدويل الكذبة
ساهمت بعض وسائل الإعلام الغربية في ترويج الرواية المغربية، انطلاقًا من منطق الحرب الباردة: “المغرب حليف للغرب، والبوليساريو مدعومة من المعسكر الشرقي”. غير أنّ تقارير عديدة، بما فيها كتابات إسبانية (توماس باربولو) ولبنانية (ليلى بديع)، إضافة إلى شهادات أسرى وضباط، كشفت زيف هذه الرواية، مؤكّدة أن ما واجهه المغرب كان جيشًا شعبيًا صحراويًا خالصًا.
أين الأدلة؟
لكن كل هذه المزاعم سقطت أمام الوقائع. فخلال أكثر من 3000 عملية عسكرية خاضها جيش التحرير الشعبي الصحراوي، لم يظهر دليل واحد على وجود مقاتلين أجانب:
• عند الإفراج عن الأسرى الصحراويين، الذين بلغ عددهم 66، لم يكن بينهم أي أجنبي.
• لم تُعرض جثة واحدة ولا وثيقة واحدة تثبت مشاركة كوبيين أو فيتناميين في المعارك.
الحقيقة التي لا تُخفى
لقد حاول الحسن الثاني التغطية على صدمة جيشه وخسائره بالكذب والدعاية، لكن الوقائع التاريخية تشهد أن ما هزم الجيش المغربي لم يكن “المعسكر الشرقي”، بل المقاتل الصحراوي ابن البادية، الذي صاغته الصحراء على الكرامة والعناد والمقاومة.
تعليقات
إرسال تعليق