التخطي إلى المحتوى الرئيسي

معركة مدينة لكويرة: ملحمة الاستبسال إلى آخر طلقة


 معركة مدينة لكويرة: ملحمة الاستبسال إلى آخر طلقة


(من 10 إلى 20 ديسمبر 1975م)

(الجزء الأول)




تبدو لكويرة اليوم أطلالًا وخرابًا مروعًا، كأنها قرية اجتاحها المغول ذات يوم. ففي 20 ديسمبر 1975م، أُعيدت لكويرة إلى عصور الظلام بفعل الدمار الأعمى والوحشي الذي ارتكبه المجرمون من فيالق موريتانيا والمغرب. تلك المدينة، التي كانت مرشحة لتكون من أجمل مدن وموانئ المحيط الأطلسي، تحولت إلى أنقاض.


في اللهجة الحسانية، تعني كلمة “لكويرة” تصغيرًا لـ”الغارة”، وهي في العربية تعني المرتفع المنعزل في أرض منبسطة. تقع لكويرة في أقصى الجنوب الغربي من الصحراء الغربية، وتعد أقرب نقطة صحراوية إلى موريتانيا، إذ تبعد عن مدينة نواذيبو حوالي سبعة كيلومترات فقط.


قبل خيانتهم، جمع الإسبان ممتلكاتهم الثمينة من المدينة، كما نقلوا رفات عشرين إسبانيًا كانوا مدفونين في مقبرتها. وفي 6 نوفمبر 1975م، حين غادر الإسبان لكويرة، دخلتها القوات الصحراوية، فاستقبلها السكان ورفع العلم الصحراوي فوق المباني الرسمية وفي الشوارع.


بعد اتفاقية مدريد وتقسيم الصحراء الغربية، حيث مُنح الجنوب لموريتانيا، قرر المقاتلون الصحراويون الدفاع عن لكويرة ومنع احتلالها بسهولة. فقد كانت في الوعي الصحراوي نقطة استراتيجية بالغة الأهمية، إذ تشكّل المدخل الطبيعي لاحتلال وادي الذهب. وكان من المؤكد أن موريتانيا ستبدأ زحفها منها، وأنها لن تصل إلى الداخلة ما لم تسيطر على لكويرة. وبالتالي، صارت المدينة خط الدفاع الأول عن وادي الذهب وتيرس. أما في حسابات الموريتانيين والمغاربة والفرنسيين، فكان احتلال موريتانيا لتيرس ووادي الذهب مستحيلًا قبل السيطرة على لكويرة.


كان الجيش الصحراوي واعيًا تمامًا بهذه الحقيقة، ولذلك اختار نخبة من أجرأ مقاتليه لقيادة ملحمة دفاعية تُعد أقرب إلى عملية استشهادية. ومن بين الأسماء البارزة في هذه الملحمة: بوزيد احمين، البندير، محمد العيطة، باهية اب بوزيد، علي أحمد زين، المامي سدوم، خطري ولد سيدي العربي، حمادي البايفو، وغيرهم.


أولئك الأبطال كانوا مدركين أنهم سيقاتلون حتى آخر رجل وآخر طلقة. فالمعركة في لكويرة، بالنظر إلى موقعها الجغرافي البعيد عن مراكز الإمداد الصحراوية (تبعد 1200 كلم عن الرابوني)، وحصارها بالبحر، وزحف العدو من الشمال والشرق، ومع وجود منفذ انسحاب وحيد يمكن غلقه بسهولة، لم تكن سوى مغامرة بطولية عنوانها: “الصمود حتى آخر طلقة وآخر مقاتل”.


تمركزت الفصائل الصحراوية في مواقع استراتيجية داخل المدينة:

فصيلة تحصنت في Casa Matcotegui (مصنع قديم للملح) في أقصى الجنوب.

فصيلة أخرى في مركز الشرطة القديم.

فصيلة ثالثة في مباني Insamar (مصنع قديم لدقيق السمك).


كما أقام المقاتلون خطوط دفاعهم الأولى عند حدود المدينة الشمالية والشرقية، وحفروا خنادقهم ونشروا نيران رشاشاتهم ومدفعيتهم.


الجيش الموريتاني، من جانبه، كان يعرف أن السيطرة على لكويرة شرط أساسي للوصول إلى الداخلة. أما المغاربة، فكانوا يضغطون على موريتانيا للإسراع في احتلال الجزء الجنوبي من الصحراء، بغرض تشكيل كماشة تحاصر الجيش الصحراوي وتخفف الضغط عنه.


ولمواجهة نخبة المقاتلين الصحراويين، دفع الجيش الموريتاني بأقوى وحداته: الفرقة الأولى، بقيادة أحمدو ولد عبد الله، ومعه الملازم “صار”.


المعركة التي اشتدت يوم 16 ديسمبر، تحولت إلى مواجهة كبرى تدخلت فيها ثلاث قوى: دعم فرنسي عاجل بالسلاح، فيلق مدفعية مغربي، وسبعة فيالق موريتانية.


الهجوم الصحراوي (10 ديسمبر 1975م)


بعد انسحاب إسبانيا المخزي، بدأت موريتانيا التحرك لملء الفراغ. ومنذ 10 نوفمبر 1975، أقام الجيش الموريتاني مواقعه في بئر أم اكرين، إينال، نواذيبو، أطار، شوم… استعدادًا للتوسع شمالًا. لكن بدل انتظار الهجوم، بادر الجيش الصحراوي بهجوم شامل ومباغت فجر 10 ديسمبر 1975، استهدف عدة مواقع في وقت واحد: بئر أم اكرين، إينال، نواذيبو، وخط القطار الناقل للحديد.


في نواذيبو، قصفت قوة صحراوية صغيرة المطار ومحطة الكهرباء عند الساعة الخامسة والنصف صباحًا، ما أدى إلى فرض حظر تجول رغم أن القذائف لم تصب أهدافها بدقة.


الهجوم الموريتاني على لكويرة


في اليوم نفسه، تلقى أحمدو ولد عبد الله أوامر باحتلال لكويرة. وما إن اقتربت فرقته من مشارف المدينة حتى فتحت عليهم نيران المقاتلين الصحراويين من كل اتجاه، فعادوا أدراجهم في فوضى.


لأربعة أيام ظل الهجوم الموريتاني يتكرر دون جدوى، حتى انهارت معنويات الجنود. ويصف أحد القادة الموريتانيين الوضع قائلًا:

وجدنا أنفسنا في جو من الرعب والخوف، إذ خُيّل لقواتنا أن لكويرة عصية على السقوطفقد الضباط الثقة في أنفسهم وفيقائدهم، بينما عاشت الحكومة والشعب في حيرة وصدمة.”


ومع استمرار الصمود الصحراوي، استنجدت نواكشوط بباريس والرباط، فبدأت المساعدات تتدفق: طائرات مغربية، مدفعية ثقيلة، ودعم فرنسي مباشر.


أصيب أحمدو ولد عبد الله يوم 16 ديسمبر بجروح خطيرة، ما أدى إلى فراغ قيادي داخل الفرقة الأولى. وامتلأت مستشفيات نواذيبو ونواكشوط بالجرحى، حتى اضطرت السلطات إلى إخلاء الأسرّة من المرضى المدنيين لإيواء الجنود.


ابتداء من يوم 18 ديسمبر، بدأ القصف البحري على لكويرة، وتكثف الهجوم حتى 20 ديسمبر، حيث اندفعت القوات الموريتانية للسيطرة على المدينة، مدعومة بقصف مدفعي ومغربي وفرنسي كثيف

خلال تلك العملية في لكويرة، توجهت موريتانيا الى فرنسا تطلب الدعم والنجدة. يقول تقرير السفارة الأمريكية في نواقشوط :" كان رئيس الاستيراد العسكري الموريتاني (مواطن فرنسي) في فرنسا خلال الأسبوعين الماضيين لتنظيم شحنات الأسلحة إلى موريتانيا. تم الإبلاغ عن أن بعض هذه الأسلحة قد وصلت بالفعل إلى نواذيبو، وأن الأسلحة الإضافية في الطريق( تقرير السفارة الأمريكية في نواقشوط بتاريخ 17ديسمبر 1975م تحت الرقم 1975nouakc02597_b)


بعد عجز القوات البرية دخول لكويرة، بدأت الباخرة " اديني" تقصف المدينة من البحر بواسطة الهاونات. المفارقة أن الباخرة التي كانت تقصف لكويرة- اديني- هي واحدة من ثلاث بواخر سلمتها الجزائر، سابقا، كمساعدة لموريتانيا. 

الانسحاب

حين انتهت أخر طلقة بحوزة تلك المجموعة من المقاتلين الاشداء الذين اقسموا ألا يتم احتلال الكويرة إلا بعد أن تنتهي أخر طلقة لديهم، قرروا الانسحاب. بدأ الانسحاب مساء اليوم الذي وقع فيه احتلال المدينة. من قواعد الحرب المهمة في تلك الفترة، بسبب النقص البشري، هي ألا يستسلم أي مقاتل للعدو، وحين تنتهي ذخيرته ينسحب ليقاتل في مكان آخر. مثلما كانت تلك المعركة مغامرة من الصعب تخيل فصولها، سيكون من الصعب أيضا تصور كيف انسحب أولئك المقاتلون.. كلما انتهت ذخيرة مجموعة تبدأ الانسحاب الذي يشبه سيناريو خيالي. طريق الانسحاب هي طريق واحدة مكشوفة، إجبارية ولا يستطيع أي أحد المراوغة فيها ليخدع القوة الموريتانية التي ترابط فيها. فحتى ينسحب أي مقاتل بلا ذخيرة- الذخيرة انتهت في المعركة- عليه أن  يشق صفوف الجيش الموريتاني  بطريقة تختلط فيها البطولة والمغامرة والحظ والمعجزة.. البعض خرج في الليل، والبعض استغل يوما غائما فخرج، والبعض اقتحم القوة الموريتانية منتصف النهار ونجا. يتذكر أولئك المقاتلون القلائل الذين خرجوا في تلك المغامرة الخطيرة،  أن النساء في مدينة لكويرة طلبن منهن الانسحاب بعد نهاية ذخيرتهم، وقلن لهم انهن هن سيتحملن الأسر والسجن بعزيمة. 


 رواية النخ ولد محمد ولد بدة، مشارك في العملية 

ملحمة لكويرة التاريخية، التي دامت عشرة أيام متواصلة، والتي تعتبر أطول معركة في الحرب ضد موريتانيا، تحتاج إلى شهادة مشارك فيها ليضعنا في الصورة أكثر. هذا المقاتل الذي سيحكي لنا مشاركته في هذه العملية-النخ محمد بدة-، لا يمكن أن نبدأ معه شهادته منذ إطلاق أول طلقة في المعركة إلى آخر طلقة أو إلى نفاذ ذخيرة أولئك الرجال، لكن سنعرف منه كيف وصل إلى لكويرة، وكيف شارك في العملية التي ستكون أهم محطة في مشواره، وستعتبر نقطة تحول في مسار حياته. يقول النخ:" كنت في قلتة زمور، وكان عمري خمسة عشر سنة، لكن ضممت نفسي، بإرادة مني ووعي، إلى المقاتلين، وكنت منبهرا بالسلاح والرصاص، وأحلم بالمشاركة في الحرب التي كانت تمثل لي افلاما سينمائية. بما أنني كنت طفلا فقط، فقد سمعتهم يقولون ان الشهيد الولي أمر أن يلتحق كل الشبان بمدينة المحبس ليذهبوا الى للدراسة في دول صديقة." 

هذا الخبر آثار الرعب في نفس الطفل النخ، لان ذهابه الى الدراسة سيفصله عن المقاتلين، وعن الحرب التي تستولى على ذهنه. وحتى يتخلص من ذلك المأزق، قرر أن يركب أول سيارة متجهة الى الجنوب وليس أول سيارة متجهة إلى الشرق. إذا ركب سيارة متجهة إلى الشرق يمكن أن يصبح قريبا من المحبس، ويفرضون عليه دخول المدرسة فيبتعد عن عالم القتال الذي يعيش معه. يقول :" فعلا، وجدت سيارة متجهة إلى أقصى الجنوب ضمن نجدة من قطاع الجنوب الذي يقوده الداه محمد نافع( الداه الجنوب)متجهة إلى لكويرة. كان يقود تلك السيارة يحظيه ولد عبدي، أول جريح في حرب التحرير، الذي جُرح في عملية قلب لحمار يوم 26 جانفي 1974م. حين عرفت أنه ذاهب الى الجنوب، في اتجاه معاكس لاتجاه المدرسة، ركبت معه رغم انني لا اعرف الى أي مكان في الجنوب هو ذاهب بالضبط . مررنا باوسرد، بعد ذلك لا اتذكر بقية الرحلة التي كانت نهايتها في لكويرة، اقصى نقطة في الجنوب." في لكويرة وجد النخ عالما آخرا لم يكن يعتقد أنه يوجد في تلك المدينة النائية. كانت الحياة تسير عادية منذ انسحاب إسبانيا منها، وكانت هناك مدرسة ومتاجر ومستشفى، لكن في نفس الوقت، كان المقاتلون القلائل- حوالي 120 مقاتل- يتحضرون لخوض معركة كبيرة بمعنويات عالية وحماس لا مثيل له. كانوا كوكبة من الابطال، كأنما تم اختيارهم بدقة لخوض تلك الملحمة وحدها، وبعدها سيستشهدون أو يقعون في الأسر. كان قادة تلك المجموعات التي تحصنت في لكويرة وحولها للدفاع عنها هم أبطال معروفون، استشهدت اغلبيتهم فيما بعد في معارك أخرى ومن لم يستشهد ابلى البلاء الحسن. كان يقود تلك المجموعة الشهيد بوزيد ولد احمين، يساعده البندير، علي احمد زين، باهية ولد ابّ، حمادي البايفو، المامي سدوم، محمد ولد العيطة وكوكبة أخرى كثيرة، منهم من يحمل السلاح لأول مرة، ومنهم- حسب رواية محدثنا- من يرمي بالرصاص أول مرة، وحين تسأله كيف تعلم الرماية يقول لك: "كنت انظر إلى رفيقي في الخندق الذي بجانبي فأفعل ما يفعل واطلق الرصاص".  لكن كان أولئك الرجال مستعدون لمواجهة العدو بصدورهم العارية  وبمعنوياتهم وبعظمتهم. يواصل النخ الحديث عن تلك الملحمة: " يوم 10 ديسمبر، حين تحركت القوة الموريتانية لتحتل المدينة، توزع المقاتلون على خنادقهم خارج المدينة وتحصنوا هناك. رفضوا أن يسلموني سلاحا لصغر سني، وكانت الصورة الأكثر حضورا في ذاكرتي هي صورة رامي صواريخ ر ب ج 7، عبد الله لعروسي(الليوة) الذي كان يتوعد الدبابات الموريتانية إن هي شاركت في العملية. كانوا يرفضون تسليمي سلاحا، وكانوا يقولون لي ان سلاح 36 أطول مني. رغم ذلك كنت احصل على سلاح مات 49، وكنت انتظر مع المقاتلين الدخول المعركة. أتذكر أنه في اليوم الثاني من الهجوم، سيصاب أول جريح في صفوفنا هو عبد العزيز ولد الديه."

أولئك الرجال الذين كانوا يدافعون عن المدينة، سيلتزمون، وهم في خنادقهم بالأوامر الصارمة: الذخيرة قليلة والمقاتلون قليلون، ويجب ألا تُطلق طلقة إلا اذا كانت قاتلة، ولا يُعرّض أي مقاتل نفسه لنيران العدو وإذا انتهت ذخيرته ينسحب حتى يشارك في عمليات أخرى. هذه الأوامر الصارمة موروثة من عهد الغزوات ضد فرنسا، حين كان المجاهدون قليلون وذخيرتهم قليلة، وكان أي منهم يطلق طلقة غير قاتلة يعاتبونه. على مدى عشرة أيام والقوات الموريتانية تتقدم فيلهبها الرصاص والقذائف فتتراجع. لم يعلم أولئك الرجال الذين كانوا يقضون الليالي في خنادقهم أن صمودهم واستماتتهم ستفرض على الجيش الموريتاني أن يستنجد بالمدفعية المغربية ويطلب الدعم من فرنسا.  يواصل النخ حديثه: "بدأت الطائرات الموريتانية تحلق فوقنا، تحاول أن تكتشف مواقعنا، ولا أنسى أن امرأة بطلة من سكان مدينة لكويرة قالت إنها ستتطوع وتصعد على سطح أحد المنازل وتطلق النار على الطائرة الموريتانية من سلاح 36. كانت القوة الموريتانية أو الفرقة رقم واحد تتقدم وتنكسر، وفي بعض الأحيان يتقدمون في الليل، لكن ينكسرون امام نيراننا. بدأ القصف يأتينا من البحر بواسطة هاونات ومدفعية ثقيلة، وكان القارب الذي يقصفوننا منه من البحر يحمل اسم " اديني" وهو أصلا مساعدة جزائرية لموريتانيا." 

ورغم أن  المقاتلين يرفضون أن يشارك النخ-الطفل في نظرهم-  معهم في القتال الشرس، إلا أنه هو كان يستولي على سلاح مات 49، ويحاول أن يرى العدو من بين الأزقة، وكان يطلق النار إذا سمحت الفرصة كرمز لمشاركة في حرب كان يحلم بخوضها مثل أولئك الأسود الذين كانوا يذودون عن لكويرة في تلك الأيام التاريخية التي لا تُنسى. يقول:" بعد أسبوع،  بدأت المدفعية تدك المدينة فعرفنا أنها مدفعية مغربية، وأنه دعم مغربي مستعجل  لأن الموريتانيين لم تكن لديهم اسلحة ثقيلة بذلك الحجم." في اليوم الأخير، بدأت الذخيرة القليلة تنفذ، وبدأ الرجال الذين انتهت ذخيرتهم ينسحبون. الحصار مضروب على المدينة برا وجوا وبحرا، خاصة بعد غلق الطريق الوحيد المؤدي الى نواذيبو- طريق الانسحاب-. لم يكن النخ يفهم الكثير من الأشياء التي تدور حوله، خاصة ما يتعلق بنفاذ الذخيرة، والحصار والانسحاب. كان مُركزا ذهنه على القتال فقط، والبحث عن فرصة يقاتل فيها قتالا حقيقيا مثل الرجال الذين كانوا مرابطين حول المدينة، والذين يعرفونه ويعطفون عليه ويمنعونه من المشاركة في القتال. كان العدو يقترب، وكانت القذائف الكبيرة تسقط على الأحياء السكنية. يقول النخ:" سقطت قذيفة على منزل وحطمته واستشهد من كان فيه. وسقطت قذيفة أخرى قادمة من  من القارب في البحر واستشهد مسعود، مذخر ى ب ج 7 . استشهد ايضا المقاتل الذي اتذكره دائما وهو خطري ولد المين ولد سيدي العربي. وقبل الانسحاب النهائي التقيت مع حمادي البايفو- للتذكير حمادي بطل مغوار وسيكون في أول سيارة تهجم على نواقشوط وتدخله يوم 8 جوان 1976م-، رامي هاون 81، وطلب مني أن ارافقه وننسحب معا، لكنني رفضت. فجأة حدث ما لم اتوقعه. جُرح رامي رب ج 7، عبد الله ولد لعروسي( الليوة)، الذي كان ينتظر الدبابات كي يدمرها بصواريخه. ساعدته في الذهاب الى المستشفى. هناك، داخل المستشفى، تحصنت مع الجرحى، وكنت أرى جنود الاحتلال من النافذة وأحاول أن اطلق عليهم النار، لكن المقاتل محمد العيطة قال لي أن المستشفى لا تُطلق منع النار. في المستشفى كان هناك بعض الجرحى منهم باهية ولد اب، الذي كان في خندق المعركة الأول. كان ذلك آخر يوم من المقاومة؛ انتهت ذخيرة جميع أولئك الرجال وانسحبوا، وحين لم يعد الرصاص يُسمع بكثافة تقدمت القوة الموريتانية ودخلت المدينة. القوا القبض علينا في المستشفى. من بين الذين أُلقي عليهم القبض كان هناك ستة مقاتلين منهم ثلاثة جرحى والبقية كانوا مدنيين. القى عليّ القبض قائد القوة احمدو ونائبه "صار". " صار" هذا يعرفني في بئر ام كرين، وحين رآني وعرفني يوم الأسر، طلب من جنوده أن يلحقوا بي أقصى درجات العقاب."

الطفل الذي هرب نحو الجنوب حتى لا تفصله الدراسة عن المقاتلين،  شارك في ملحمة لكويرة التاريخية، وسيجد نفسه في الأسر وفي السجن بدل أن يجد نفسه في مكانه الحقيقي: المدرسة. بعد أكثر من ثلاث سنوات في السجن سيخرج النخ، وسيتوجه الى القتال ويصاب بجروح في عمليتي المحبس والوركزيز، وفي سنة 1985م سيستشهد والده، محمد ولد بدة، تحت التعذيب في سجن قلعة مكونة السيء السمعة. ومثلما كانت رحلة النخ نوع من المغامرة، كان ما حدث في لكويرة مغامرة حقيقية أكبر وملحمة. حين استولى الجيش الموريتاني الحاقد على تلك المدينة عاث فيها فسادا. اعتقل المدنيين في ساحات عامة، وحدثت عمليات نهب عظيمة لكل شيء في تلك المدينة الجميلة. خلال اسبوع من النهب تحولت لكويرة إلى اطلال واعادوها إلى مدينة من مدن القرون الوسطى(انتهى).

✍️ بقلم: السيد حمدي يحظيه

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية: البوليساريو انتهجوا وسائل قانونية للمقاومة وعملوا على بناء مؤسسات دولة ديمقراطية وشاملة وكسبوا ثقة العالم.

 نشرت مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية مقالًا للكاتبة هانا راي أرمسترونج تناولت فيه السياسات التي يمكن أن تنتهجها إدارة بايدن لحل النزاع بشأن الصحراء الغربية. تستهل الكاتبة مقالها بالإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وَقَّع إعلانًا (أحادي الجانب) في ديسمبر  2020 يعترف بالسيادة المغربية على منطقة تبلغ مساحتها 100 ألف ميل مربع متنازع عليها منذ نصف قرن: الصحراء الغربية، ماضيًا بذلك في عكس اتجاه سياسة أمريكية طويلة الأمد بالتزام الحياد في المواجهة بين الحكومة المغربية، وجبهة البوليساريو، التي تسعى لاستقلال الصحراء الغربية. ونوَّهت الكاتبة إلى أن ترامب أيَّد مطالبة المغرب بالسيادة على الصحراء مقابل تطبيع الرباط لعلاقاتها مع إسرائيل، والانضمام إلى اتفاقات أبراهام. وتسببت هذه المقايضة في انهيار اتفاق لوقف إطلاق النار؛ مما أدَّى إلى تجدد القتال، وتزايد التوترات في المنطقة. وتلفت الكاتبة إلى أن الأمم المتحدة تحاول استئناف عملية سياسية من شأنها التغلب على المأزق الحالي، ورفضت المغرب تنفيذ استفتاء شعبي تدعمه الأمم المتحدة من شأنه أن يحدد وضع الصحراء الغربية، وبدلًا عن ذلك قدَّم المغر...

أبي بشراي البشير يؤكد " القرار الصادر عن القسم القانوني في مجلس الإتحاد الأوروبي مهم للغاية ويؤكد القراءة السليمة لقرار محكمة العدل الأوروبية

  الشهيد للحافظ ، 02 فبراير 2025 (واص) -  أكد ممثل  جبهة البوليساريو لدى سويسرا والأمم المتحدة والمنظمات الدولية بجنيف, السفير أبي بشراي البشير, أن الرأي الصادر عن القسم القانوني في مجلس الاتحاد الأوروبي "مهم للغاية" لأنه يؤكد "القراءة السليمة لقرارات محكمة العدل الأوروبية الصادرة يوم 4 أكتوبر 2024 والتي تم بموجبها رفض طعون المفوضية والمجلس ضد قرار المحكمة العامة ليوم 29 سبتمبر 2021 وتأكيد قرار إلغاء الاتفاقيات بين المغرب والاتحاد الأوروبي.  وذلك - يضيف الدبلوماسي الصحراوي - بسبب شموليتها  اللاشرعية للصحراء الغربية, وهي الإقليم المتمايز والمنفصل عن المملكة المغربية, دون الحصول على موافقة الشعب الصحراوي المعني الحصري بالحق في تقرير المصير, وبالتالي السيادة على الإقليم وثرواته". وأضاف في تصريح لو" واج "  أن "هذا الرأي القانوني يعزز الانطباع الحاصل لدى الأوروبيين بتقلص هامش المناورة أمام المفوضية في محاولاتها الدائمة للقفز على قرارات العدالة الأوروبية, ويحمل رسالة واضحة إلى المفوضية بضرورة احترام تلك القرارات والالتزام بمحتواها". كما شدد الدبلوماسي ...

البرلمان البريطاني يستقبل ممثلي القضية الصحراوية لمناقشة تطورات النزاع ودور المملكة المتحدة

  شارك مارك لوتشفورد (Mark Luetchford)، ممثل منظمة Western Sahara Campaign UK، والمنظمة الخيرية البريطانية Mijek Refugees Hand، ممثلها أباهم مولود، في لقاء مع البرلماني البريطاني عن Folkestone and Romney Marsh السيد Tony Vaughan، وذلك يوم 13/07/2025 على الساعة العاشرة صباحًا في مدينة Folkestone. كان هذا اللقاء مبرمجًا منذ مدة، وتناول القضية الصحراوية وآخر تطوراتها، إلى جانب مناقشة دور المملكة المتحدة وموقفها الأخير من هذه القضية. تم التطرق إلى تطورات النزاع في الصحراء الغربية، والخلفية القانونية لوضع الإقليم في القانون الدولي، وكذلك مسار مخطط السلام الأممي-الإفريقي، وفشل الأمم المتحدة حتى الآن في إيجاد حل عادل. كما طالب الوفد من البرلماني Tony Vaughan الانضمام إلى مجموعة البرلمانيين الداعمين للقضية الصحراوية داخل البرلمان البريطاني، بالإضافة إلى طرح أسئلة رسمية داخل البرلمان بشأن القضية الصحراوية. وقد تم التأكيد له أن الشعب الصحراوي لا يطلب سوى العدالة وفقًا للقانون الدولي، وأن الشعب الصحراوي وحكومته مستعدان للتعاون الاستراتيجي مع المملكة المتحدة في مختلف المجالات. وللإشارة، ...