التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المسار الأممي بين الوهم والواقع: مكاسب التجربة الصحراوية


 المسار الأممي بين الوهم والواقع: مكاسب التجربة الصحراوية


المقدمة


تُشكّل التجارب التاريخية محطات أساسية في مسار تطور الشعوب، إذ تمنحها القدرة على إدراك طبيعة الخصوم، وفهم آليات المجتمع الدولي، وبناء استراتيجيات مقاومة أكثر نضجاً. وفي الحالة الصحراوية، يُعدّ ما يُعرف بمخطط السلام الأممي (1991) مثالاً بارزاً على ذلك. فبينما كان يُقدَّم كإطار لتسوية النزاع بين الشعب الصحراوي ونظام المخزن في المغرب، اتضح عملياً أنه أداة لتأجيل الحلول وإدارة الصراع بما يخدم مصالح قوى إقليمية ودولية، الأمر الذي أكسب الشعب الصحراوي رصيداً تجريبياً ثميناً.


الإشكالية


رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على إطلاق خطة التسوية الأممية، لم يتحقق الهدف المعلن المتمثل في تنظيم استفتاء لتقرير المصير. هذا الفشل يطرح تساؤلات جوهرية:

كيف ساهم المخطط في إطالة أمد النزاع بدل حله؟

وما طبيعة الرصيد التجريبي الذي راكمه الشعب الصحراوي خلال هذه المرحلة؟

وكيف غيّر هذا الوعي الجديد أسلوبه في التعامل مع الخصوم ومع المجتمع الدولي؟


التحليل


1. البعد السياسي للخداع


اعتمد المغرب منذ السبعينيات سياسة المناورة تجاه الصحراويين والجزائريين، مستخدماً وعوداً زائفة بالمفاوضات المباشرة، كما في حصار “ألزاك”. ثم كرر الأسلوب ذاته عبر القبول بخطة الأمم المتحدة عام 1991، التي نصّت على تنظيم استفتاء، لكنه عمل على عرقلته بشكل منهجي. وقد أكدت هذه المناورات عدم جدوى الرهان على حسن نية النظام المغربي.


2. قصور المجتمع الدولي


أظهر مسار السلام عجز الأمم المتحدة ومجلس الأمن عن فرض قرارات ملزمة، وهو ما يعكس التواطؤ مع الاحتلال المغربي، ويكشف الطبيعة “الانتقائية” للقانون الدولي. فالآليات القانونية التي تُقدَّم باعتبارها ضامنة للسلام ليست سوى أدوات لتسيير النزاعات بأقل تكلفة ممكنة بالنسبة للقوى الكبرى.


3. تراكم الرصيد التجريبي


من خلال هذه التجارب، أصبح الشعب الصحراوي أكثر وعياً بحدود النظام الدولي، وأكثر قدرة على التمييز بين الشعارات والممارسات الواقعية، مدركاً أن الاستقلال لن يتحقق إلا عبر الجمع بين العمل الميداني المسلح والدبلوماسية الذكية.


لقد مثّل “مخطط السلام” الأممي، في ظاهره، فرصة للحل، لكنه في جوهره كان وسيلة لإطالة أمد النزاع وإفراغ الكفاح من زخمه. غير أن النتيجة غير المتوقعة تمثلت في بناء رصيد تجريبي ضخم لدى الشعب الصحراوي، جعله أكثر وعياً بقواعد اللعبة الدولية، وأكثر قدرة على تطوير استراتيجيات مقاومة متكيفة مع التحولات. وعليه، فإن التجربة المريرة تحولت إلى مكسب معرفي وسياسي يمكن أن يشكّل أساساً لاستكمال مشروع التحرر الوطني.


ويبقى الكفاح المسلح وتطوير أدواته هو المشروع الأهم الذي ينبغي الاستثمار فيه، أما باقي الأساليب فليست سوى وسائل مساعدة، أشبه بالتوابل: إذا وُجدت أضافت طعماً جيداً، وإذا غابت فلن تكون ضرورية في مسيرة التحرير.

✍️MijekMedia

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية: البوليساريو انتهجوا وسائل قانونية للمقاومة وعملوا على بناء مؤسسات دولة ديمقراطية وشاملة وكسبوا ثقة العالم.

 نشرت مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية مقالًا للكاتبة هانا راي أرمسترونج تناولت فيه السياسات التي يمكن أن تنتهجها إدارة بايدن لحل النزاع بشأن الصحراء الغربية. تستهل الكاتبة مقالها بالإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وَقَّع إعلانًا (أحادي الجانب) في ديسمبر  2020 يعترف بالسيادة المغربية على منطقة تبلغ مساحتها 100 ألف ميل مربع متنازع عليها منذ نصف قرن: الصحراء الغربية، ماضيًا بذلك في عكس اتجاه سياسة أمريكية طويلة الأمد بالتزام الحياد في المواجهة بين الحكومة المغربية، وجبهة البوليساريو، التي تسعى لاستقلال الصحراء الغربية. ونوَّهت الكاتبة إلى أن ترامب أيَّد مطالبة المغرب بالسيادة على الصحراء مقابل تطبيع الرباط لعلاقاتها مع إسرائيل، والانضمام إلى اتفاقات أبراهام. وتسببت هذه المقايضة في انهيار اتفاق لوقف إطلاق النار؛ مما أدَّى إلى تجدد القتال، وتزايد التوترات في المنطقة. وتلفت الكاتبة إلى أن الأمم المتحدة تحاول استئناف عملية سياسية من شأنها التغلب على المأزق الحالي، ورفضت المغرب تنفيذ استفتاء شعبي تدعمه الأمم المتحدة من شأنه أن يحدد وضع الصحراء الغربية، وبدلًا عن ذلك قدَّم المغر...

أبي بشراي البشير يؤكد " القرار الصادر عن القسم القانوني في مجلس الإتحاد الأوروبي مهم للغاية ويؤكد القراءة السليمة لقرار محكمة العدل الأوروبية

  الشهيد للحافظ ، 02 فبراير 2025 (واص) -  أكد ممثل  جبهة البوليساريو لدى سويسرا والأمم المتحدة والمنظمات الدولية بجنيف, السفير أبي بشراي البشير, أن الرأي الصادر عن القسم القانوني في مجلس الاتحاد الأوروبي "مهم للغاية" لأنه يؤكد "القراءة السليمة لقرارات محكمة العدل الأوروبية الصادرة يوم 4 أكتوبر 2024 والتي تم بموجبها رفض طعون المفوضية والمجلس ضد قرار المحكمة العامة ليوم 29 سبتمبر 2021 وتأكيد قرار إلغاء الاتفاقيات بين المغرب والاتحاد الأوروبي.  وذلك - يضيف الدبلوماسي الصحراوي - بسبب شموليتها  اللاشرعية للصحراء الغربية, وهي الإقليم المتمايز والمنفصل عن المملكة المغربية, دون الحصول على موافقة الشعب الصحراوي المعني الحصري بالحق في تقرير المصير, وبالتالي السيادة على الإقليم وثرواته". وأضاف في تصريح لو" واج "  أن "هذا الرأي القانوني يعزز الانطباع الحاصل لدى الأوروبيين بتقلص هامش المناورة أمام المفوضية في محاولاتها الدائمة للقفز على قرارات العدالة الأوروبية, ويحمل رسالة واضحة إلى المفوضية بضرورة احترام تلك القرارات والالتزام بمحتواها". كما شدد الدبلوماسي ...

البرلمان البريطاني يستقبل ممثلي القضية الصحراوية لمناقشة تطورات النزاع ودور المملكة المتحدة

  شارك مارك لوتشفورد (Mark Luetchford)، ممثل منظمة Western Sahara Campaign UK، والمنظمة الخيرية البريطانية Mijek Refugees Hand، ممثلها أباهم مولود، في لقاء مع البرلماني البريطاني عن Folkestone and Romney Marsh السيد Tony Vaughan، وذلك يوم 13/07/2025 على الساعة العاشرة صباحًا في مدينة Folkestone. كان هذا اللقاء مبرمجًا منذ مدة، وتناول القضية الصحراوية وآخر تطوراتها، إلى جانب مناقشة دور المملكة المتحدة وموقفها الأخير من هذه القضية. تم التطرق إلى تطورات النزاع في الصحراء الغربية، والخلفية القانونية لوضع الإقليم في القانون الدولي، وكذلك مسار مخطط السلام الأممي-الإفريقي، وفشل الأمم المتحدة حتى الآن في إيجاد حل عادل. كما طالب الوفد من البرلماني Tony Vaughan الانضمام إلى مجموعة البرلمانيين الداعمين للقضية الصحراوية داخل البرلمان البريطاني، بالإضافة إلى طرح أسئلة رسمية داخل البرلمان بشأن القضية الصحراوية. وقد تم التأكيد له أن الشعب الصحراوي لا يطلب سوى العدالة وفقًا للقانون الدولي، وأن الشعب الصحراوي وحكومته مستعدان للتعاون الاستراتيجي مع المملكة المتحدة في مختلف المجالات. وللإشارة، ...