التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الحزام الدفاعي المغربي… من حصن منيع إلى مقبرة للجنود


 الحزام الدفاعي المغربي… من حصن منيع إلى مقبرة للجنود


مقدمة


شهدت الصحراء الغربية منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين واحدة من أطول النزاعات في القارة الإفريقية. وبعد انسحاب إسبانيا سنة 1975، غزا المغرب إقليم الصحراء الغربية مدعومًا بتحالفات إقليمية ودولية، وهو ما فجّر مواجهة مفتوحة مع الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو) وقواتها المعروفة بـ الجيش الشعبي الصحراوي.


السياق الأولي


عندما قرر المغرب غزو الصحراء الغربية عسكريًا طمعًا في ما تزخر به من خيرات باطنية، كان الاعتقاد السائد لدى القيادة المغربية أن الأمر سيكون سريعًا، أقرب إلى عملية محدودة أو “جولة قصيرة”. غير أن المواجهات مع الجيش الشعبي الصحراوي أظهرت عكس ذلك؛ فقد واجه الجيش المغربي مقاومة شرسة من مقاتلين متأقلمين مع الطبيعة الصحراوية القاسية، مدرَّبين على حرب العصابات، وذوي خبرة ميدانية مستمدة من عقود من المقاومة ضد الاستعمار الإسباني والفرنسي.


قرار بناء الحزام الدفاعي


مع توالي الخسائر وصعوبة السيطرة على الإقليم، لجأت القيادة المغربية، بدعم تقني من خبراء إسرائيليين ومعدات أمريكية، وتمويل خليجي، إلى بناء ما سُمّي بـ الحزام الأمني أو الدفاعي. بدأ العمل في أوائل الثمانينيات، وتم استكماله على مراحل حتى بلغ طوله حوالي 2720 كيلومترًا.


تكوّن الحزام من تحصينات ترابية وأسلاك شائكة وألغام أرضية، وزُوّد برادارات حديثة ومدفعية متصلة بأنظمة إنذار مبكر. فعندما يكتشف الرادار حركة على بُعد 20 كلم، يُرسل الإحداثيات مباشرة إلى المدفعية، وأحيانًا إلى الطائرات، ليتم استهداف الهدف بوابل من القذائف. وبذلك تحوّل إلى خط دفاعي متكامل من الناحية العسكرية.


التكتيكات الصحراوية في مواجهة الحزام


رغم تعقيدات الحزام الدفاعي، لم يتوقف الجيش الشعبي الصحراوي عن محاولات اختراقه. وبعد سنوات من الاستطلاع والدراسة، توصّلت قوات الاستطلاع والهندسة في الجيش الصحراوي إلى طريقة للمهاجمة تقوم على فتح ثغرات محدودةبواسطة وحدات الهندسة، ثم شنّ هجمات مباغتة عبر تلك الفتحات على القواعد العسكرية المغربية.

وقد أدى هذا التكتيك إلى معارك عنيفة خلال الفترة من اكتمال بناء الحزام إلى وقف إطلاق النار سنة 1991، حيث خاضت القوات الصحراوية سلسلة من العمليات ضد نقاط مختلفة من الحزام.


أبرز المعارك

أمگالا – 13 مارس 1986

العيادات – 29 مارس 1986 (وتكررت لاحقًا في عدة تواريخ)

المولوصي – 21 مايو 1986

أشركان – 31 مايو 1986، و31 أغسطس 1986، و12 سبتمبر 1987

الوركزيز – 9 يونيو 1986، و23 يوليو 1986

الذويهب – 28 يوليو 1986، و4 يوليو 1986، و17 أكتوبر 1986، و6 مارس 1987، و18 نوفمبر 1987

أم لكطا – 10 يوليو 1986، و28 سبتمبر 1986، و25 فبراير 1987

أكليبات الفولة – 14 سبتمبر 1986، و24 أكتوبر 1986

بن عميرة – 16 سبتمبر 1986

أمگلي لبقر – 25 سبتمبر 1986

قطاع حوزة – 16 أكتوبر 1986

فدرة أم لبينة – 17 أكتوبر 1986

اجبيلات – 23 فبراير 1987

كلب الظليم – 25 مارس 1987

اعظيم أم أجلود – 18 يونيو 1987 و21 أغسطس 1987

أم الدكن – من أبرز المعارك التي وسر فيها العقيد لَعْبيدي أن يتوفى متأثرًا بجراحه، وقد رفض الحسن الثاني استلام جثمانه بل أنكر وجوده أصلًا.

وغيرها من المعارك الممتدة عبر مختلف القطاعات.


النتائج والتداعيات

من الناحية العسكرية: شكّل الحزام الدفاعي عائقًا أمام تقدم وحدات الجيش الصحراوي، لكنه في الوقت نفسه فرض على الجيش المغربي توزيع قواته على طول خط ضخم، ما قلّل من قدرته على المناورة والتمركز.

من الناحية السياسية: عزّز بناء الحزام سيطرة المغرب على المراكز الحضرية والموارد الحيوية في الإقليم، لكنه لم يُنهِ الصراع، بل حوّله إلى حرب استنزاف طويلة.

من الناحية الاستراتيجية: احتفظ الجيش الصحراوي بالمبادرة إلى يومنا هذا بفضل هجماته المباغتة، في حين ظل الجيش المغربي في وضع دفاعي يعتمد على التحصينات، ويعاني من هزيمة استراتيجية إلى يومنا هذا.


لقد شكّل حزام الذل والعار علامة فارقة في مسار الحرب بالصحراء الغربية، إذ مثّل من جهة وسيلة للحد من اختراقات الجيش الشعبي الصحراوي، ومن جهة أخرى تجسيدًا لمدى تعقيد هذا النزاع وصعوبة الحسم العسكري فيه. ومع استمرار العمليات رغم التحصينات، ظلّت الحرب تراوح بين الدفاع الثابت من جانب المغرب والهجوم المتحرك من جانب الجيش الشعبي الصحراوي، الذي استطاع أن يفرض سيطرته على أراضٍ محررة شاسعة، وأصبح صاحب المبادرة الميدانية. وما زال الجيش المغربي يعاني من هزيمة استراتيجية إلى يومنا هذا، عاجزًا عن الخروج من تحصيناته✍️MijekMedia

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية: البوليساريو انتهجوا وسائل قانونية للمقاومة وعملوا على بناء مؤسسات دولة ديمقراطية وشاملة وكسبوا ثقة العالم.

 نشرت مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية مقالًا للكاتبة هانا راي أرمسترونج تناولت فيه السياسات التي يمكن أن تنتهجها إدارة بايدن لحل النزاع بشأن الصحراء الغربية. تستهل الكاتبة مقالها بالإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وَقَّع إعلانًا (أحادي الجانب) في ديسمبر  2020 يعترف بالسيادة المغربية على منطقة تبلغ مساحتها 100 ألف ميل مربع متنازع عليها منذ نصف قرن: الصحراء الغربية، ماضيًا بذلك في عكس اتجاه سياسة أمريكية طويلة الأمد بالتزام الحياد في المواجهة بين الحكومة المغربية، وجبهة البوليساريو، التي تسعى لاستقلال الصحراء الغربية. ونوَّهت الكاتبة إلى أن ترامب أيَّد مطالبة المغرب بالسيادة على الصحراء مقابل تطبيع الرباط لعلاقاتها مع إسرائيل، والانضمام إلى اتفاقات أبراهام. وتسببت هذه المقايضة في انهيار اتفاق لوقف إطلاق النار؛ مما أدَّى إلى تجدد القتال، وتزايد التوترات في المنطقة. وتلفت الكاتبة إلى أن الأمم المتحدة تحاول استئناف عملية سياسية من شأنها التغلب على المأزق الحالي، ورفضت المغرب تنفيذ استفتاء شعبي تدعمه الأمم المتحدة من شأنه أن يحدد وضع الصحراء الغربية، وبدلًا عن ذلك قدَّم المغر...

أبي بشراي البشير يؤكد " القرار الصادر عن القسم القانوني في مجلس الإتحاد الأوروبي مهم للغاية ويؤكد القراءة السليمة لقرار محكمة العدل الأوروبية

  الشهيد للحافظ ، 02 فبراير 2025 (واص) -  أكد ممثل  جبهة البوليساريو لدى سويسرا والأمم المتحدة والمنظمات الدولية بجنيف, السفير أبي بشراي البشير, أن الرأي الصادر عن القسم القانوني في مجلس الاتحاد الأوروبي "مهم للغاية" لأنه يؤكد "القراءة السليمة لقرارات محكمة العدل الأوروبية الصادرة يوم 4 أكتوبر 2024 والتي تم بموجبها رفض طعون المفوضية والمجلس ضد قرار المحكمة العامة ليوم 29 سبتمبر 2021 وتأكيد قرار إلغاء الاتفاقيات بين المغرب والاتحاد الأوروبي.  وذلك - يضيف الدبلوماسي الصحراوي - بسبب شموليتها  اللاشرعية للصحراء الغربية, وهي الإقليم المتمايز والمنفصل عن المملكة المغربية, دون الحصول على موافقة الشعب الصحراوي المعني الحصري بالحق في تقرير المصير, وبالتالي السيادة على الإقليم وثرواته". وأضاف في تصريح لو" واج "  أن "هذا الرأي القانوني يعزز الانطباع الحاصل لدى الأوروبيين بتقلص هامش المناورة أمام المفوضية في محاولاتها الدائمة للقفز على قرارات العدالة الأوروبية, ويحمل رسالة واضحة إلى المفوضية بضرورة احترام تلك القرارات والالتزام بمحتواها". كما شدد الدبلوماسي ...

البرلمان البريطاني يستقبل ممثلي القضية الصحراوية لمناقشة تطورات النزاع ودور المملكة المتحدة

  شارك مارك لوتشفورد (Mark Luetchford)، ممثل منظمة Western Sahara Campaign UK، والمنظمة الخيرية البريطانية Mijek Refugees Hand، ممثلها أباهم مولود، في لقاء مع البرلماني البريطاني عن Folkestone and Romney Marsh السيد Tony Vaughan، وذلك يوم 13/07/2025 على الساعة العاشرة صباحًا في مدينة Folkestone. كان هذا اللقاء مبرمجًا منذ مدة، وتناول القضية الصحراوية وآخر تطوراتها، إلى جانب مناقشة دور المملكة المتحدة وموقفها الأخير من هذه القضية. تم التطرق إلى تطورات النزاع في الصحراء الغربية، والخلفية القانونية لوضع الإقليم في القانون الدولي، وكذلك مسار مخطط السلام الأممي-الإفريقي، وفشل الأمم المتحدة حتى الآن في إيجاد حل عادل. كما طالب الوفد من البرلماني Tony Vaughan الانضمام إلى مجموعة البرلمانيين الداعمين للقضية الصحراوية داخل البرلمان البريطاني، بالإضافة إلى طرح أسئلة رسمية داخل البرلمان بشأن القضية الصحراوية. وقد تم التأكيد له أن الشعب الصحراوي لا يطلب سوى العدالة وفقًا للقانون الدولي، وأن الشعب الصحراوي وحكومته مستعدان للتعاون الاستراتيجي مع المملكة المتحدة في مختلف المجالات. وللإشارة، ...