هل تأخّر انتصار الشعب الصحراوي على الاحتلال المغربي؟
تُعَدّ قضية الصحراء الغربية إحدى أطول قضايا النزاع في إفريقيا المعاصرة، حيث لم يتمكّن الشعب الصحراوي حتى اليوم من تحقيق الاستقلال الكامل، رغم مرور أكثر من خمسة عقود على الغزو المغربي للإقليم. إنّ هذا التأخّر لا يُعَدّ استثناءً إذا ما قورن بتجارب تحررية أخرى، مثل التجربة الإيرلندية التي استمر الاحتلال البريطاني فيها أكثر من سبعة قرون، أو الثورة الجزائرية التي سبقتها قرون من الاستعمار الفرنسي، فضلاً عن الاستعمار الإسباني الذي استمر في الصحراء الغربية حتى منتصف سبعينيات القرن الماضي.
ويعود تأخّر حسم القضية الصحراوية إلى جملة من العوامل السياسية والعسكرية والدبلوماسية المعقّدة، يمكن تناول أبرزها على النحو التالي
1. طبيعة الاحتلال المغربي
يتميّز الاحتلال المغربي للصحراء الغربية بخصائص تختلف عن التجارب الاستعمارية التقليدية. ففي حالات مثل الاحتلال الفرنسي للجزائر أو التدخل الأمريكي في فيتنام، كان للرأي العام الداخلي، ولحرية الصحافة، ولحجم الخسائر البشرية أثرٌ حاسم في تسريع إنهاء الاحتلال.
أمّا في الحالة المغربية، فقد غابت هذه العوامل لاعتبارات عدّة:
• خضوع الإعلام المغربي لرقابة صارمة حالت دون نقل الرواية الحقيقية لما يحدث في الجبهة.
• غياب حركات احتجاجية مؤثرة داخل المغرب رغم الخسائر البشرية الكبيرة (يُقدَّر عدد القتلى بأكثر من 39 ألفاً والأسرى بحوالي 4500).
• انعدام التقاليد الديمقراطية التي تتيح للرأي العام التأثير في قرارات الحرب والسلم.
2. الدعم الدولي للمغرب
حظي المغرب، منذ غزوه، بدعم واسع من قوى إقليمية ودولية مؤثرة، من أبرزها:
• فرنسا: التي مثّلت الحليف الاستراتيجي للمغرب في مجلس الأمن.
• الولايات المتحدة: التي نظرت إلى المغرب باعتباره شريكاً مهماً في استراتيجياتها الأمنية والاقتصادية.
• بعض دول الخليج: التي وفّرت دعماً مالياً وسياسياً مكّن المغرب من مواصلة حربه وشراء مواقف داعمة له.
• اللوبي الصهيوني: الذي لعب دوراً بارزاً في تثبيت الموقف الداعم للمغرب داخل واشنطن والعواصم الغربية.
وقد جعل هذا التحالف الدولي من الصعب على جبهة البوليساريو تحقيق انتصار عسكري أو سياسي حاسم.
3. الجدار الدفاعي المغربي (“حزام الذل والعار”)
من العوامل الحاسمة في تغيير موازين القوى بناءُ الجدار الدفاعي المغربي في ثمانينيات القرن الماضي.
• قبل تشييد الجدار، دمّرت حرب العصابات التي خاضها الجيش الشعبي حسب الوثائق التي رفعت عنها السرية من CIA.
• غير أنّ الجدار حوّل الحرب إلى حرب استنزاف محدود التأثير مقارنة مع حرب العصابات
4. مسار التسوية الأممي
منذ مطلع التسعينيات، دخل النزاع في مسار تسوية تقوده الأمم المتحدة. إلا أنّ هذا المسار تحوّل عملياً إلى أداة لتثبيت الأمر الواقع، وذلك من خلال:
• استخدام اتفاقيات وقف إطلاق النار كذريعة لتأجيل الاستفتاء الموعود.
• ضياع عقود من الزمن في انتظار حلٍّ سياسي لم يُنفَّذ.
• تمكّن المغرب من استغلال هذا الوضع لترسيخ وجوده الميداني وتعزيز استغلاله للثروات الطبيعية في الإقليم
إنّ تأخّر حسم قضية الصحراء الغربية لا يعكس ضعف عدالة القضية الصحراوية أو محدودية إرادة شعبها، بل هو نتاج تداخل عوامل معقّدة: طبيعة الاحتلال المغربي القائمة على التعتيم الإعلامي وغياب الضغط الشعبي، الدعم الدولي الكبير الموجّه لصالح المغرب، التحوّلات العسكرية الناجمة عن بناء الجدار الدفاعي، وأخيراً مسار التسوية الأممي الذي لم يؤدِّ إلى تحقيق النتائج المرجوّة
ورغم كل ذلك، يظلّ الشعب الصحراوي نموذجاً بارزاً في الصمود والمقاومة، في مواجهة واحدة من أعقد قضايا تصفية الاستعمار في العالم المعاصر.✍️MijekMedia
تعليقات
إرسال تعليق