التخطي إلى المحتوى الرئيسي

متى يحدث التغيير في المغرب؟


 متى يحدث التغيير في المغرب؟


يشهد المغرب منذ عقودٍ طويلة جدلاً واسعاً حول طبيعة النظام السياسي، وأسباب تعثّر التنمية الحقيقية، واستمرار مظاهر الفقر والجهل والفساد. ورغم تعدّد الحكومات والوجوه السياسية التي تعاقبت على تسيير الشأن العام، فإنّ السؤال الجوهري ما يزال مطروحاً: متى يحدث التغيير الحقيقي في المغرب؟


أولاً: شروط التغيير الجوهري


يرى العديد من المفكرين والمحللين أنّ أيّ تغيير جذري في المغرب لن يتحقّق إلا من خلال مسارين رئيسيين:


1. انقلاب عسكري تقوده نخبة واعية ومسؤولة


يمكن أن يكون هذا الإصلاح عبر إرادة وطنية تتبنّاها نخبة مثقفة وواعية تسعى بصدق إلى بناء دولة جديدة تُعيد ترتيب أولوياتها في مجالات التعليم، ومحاربة الفساد، ومكافحة المخدرات، وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس الشفافية والمساءلة والعدالة الاجتماعية.

فالتربية والتعليم، على وجه الخصوص، يظلان الركيزة الأساسية لأي نهضة شاملة ومستقبلٍ أفضل للأجيال القادمة، وتأسيس جمهورية مغربية قائمة على العدالة الاجتماعية.


2. تطوّر الوعي الجمعي لدى الشعب المغربي


لا يمكن أن يتحقّق أي تغيير دائم ما لم يواكبه تطوّر في الوعي الجمعي للمجتمع المغربي، وخصوصاً إدراكه لجذور الأزمات التي يعيشها. فحين يدرك المواطن أنّ الخلل ليس فقط في الحكومة أو في حزبٍ بعينه، بل في طبيعة النظام السياسي وآليات اشتغاله، سيصبح قادراً على المطالبة بإصلاحات حقيقية، كتلك التي عرفتها تجارب تاريخية مثل الثورة الفرنسية، التي قامت ضد الحكم المطلق وسعت إلى إرساء دولة القانون والفصل بين السلطات.


ثانياً: الملكية المطلقة ومحدودية الإصلاح


لقد أثبت التاريخ أنّ الملكية المطلقة مفسدة مطلقة، وأنّ استمرار تركيز السلطة في يدٍ واحدة يفتح الباب واسعاً أمام انتشار الفساد، ويُعيق أي مشروع تنموي حقيقي.

لهذا السبب، تحوّلت أغلب الأنظمة الملكية في العالم إلى ملكيات دستورية يكون فيها الملك رمزاً للدولة، بعيداً عن التسيير التنفيذي، بينما تتولّى مؤسسات منتخبة وخاضعة للمساءلة إدارة شؤون البلاد وفق القانون والدستور.


أما في الحالة المغربية، فما يزال النظام الملكي يحتفظ بصلاحياتٍ لا حدود لها، مما يجعل أيّ إصلاحٍ حكومي محدود الأثر، لأنّ جوهر المشكلة يكمن في بنية النظام نفسه، لا في الحكومات المتعاقبة أو الأحزاب السياسية.


ثالثاً: تجارب الإصلاح المزيّف


شهد المغرب سنة 2011، في سياق ما عُرف بـ”الربيع العربي”، موجةً من الاحتجاجات والمطالب الشعبية بالتغيير.

غير أنّ الاستجابة الرسمية تمثّلت في تعديلٍ دستوري محدود، وصعود حزبٍ ذي مرجعية إسلامية إلى الحكومة (حزب العدالة والتنمية)، قُدّم حينها كرمزٍ للتغيير.

لكن التجربة أثبتت لاحقاً أنّ ما جرى لم يكن سوى تغيير شكلي، إذ ظلّت مراكز القرار الحقيقية في يد النظام، وانتهى الأمر إلى عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه، مع استمرار الأزمات الاجتماعية والاقتصادية نفسها.


رابعاً: الطريق الطويل نحو التغيير


تُشير المؤشرات الراهنة إلى أنّ طريق التغيير في المغرب لا يزال طويلاً وشاقاً، لأنّ الشعب المغربي ما يزال عرضةً للخداع السياسي والإعلامي، في ظلّ ضعفٍ في الوعي السياسي العام، وغياب قادةٍ سياسيين يمكنهم أن يرسُموا خارطة طريق لأي حراكٍ شعبي قائم على المساءلة والمشاركة الفاعلة.

فكلما اشتدّ الغضب الشعبي، يُقدَّم “كبش فداء” جديد، كحكومةٍ أو حزبٍ ما، من دون المساس بجوهر النظام القائم.



إنّ التغيير الحقيقي في المغرب لن يتحقّق إلا حين يدرك الشعب أنّ جوهر الأزمة ليس في الأشخاص أو الأحزاب، بل في طبيعة النظام السياسي ذاته، وأنّ أي إصلاحٍ حقيقي لا بدّ أن يشمل إعادة هيكلة شاملة لمؤسسات الدولة، وتحويل الملكية إلى ملكية دستورية رمزية، أو نظام جمهوري تكون فيه السلطة الفعلية بيد مؤسساتٍ منتخبة خاضعة للمساءلة.

وحتى يتحقّق ذلك، سيظلّ المغرب يراوح مكانه بين الأمل والإحباط، في انتظار لحظة وعيٍ جماعي تُعيد رسم ملامح مستقبلٍ أفضل للأجيال القادمة

✍️MijekMedia

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية: البوليساريو انتهجوا وسائل قانونية للمقاومة وعملوا على بناء مؤسسات دولة ديمقراطية وشاملة وكسبوا ثقة العالم.

 نشرت مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية مقالًا للكاتبة هانا راي أرمسترونج تناولت فيه السياسات التي يمكن أن تنتهجها إدارة بايدن لحل النزاع بشأن الصحراء الغربية. تستهل الكاتبة مقالها بالإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وَقَّع إعلانًا (أحادي الجانب) في ديسمبر  2020 يعترف بالسيادة المغربية على منطقة تبلغ مساحتها 100 ألف ميل مربع متنازع عليها منذ نصف قرن: الصحراء الغربية، ماضيًا بذلك في عكس اتجاه سياسة أمريكية طويلة الأمد بالتزام الحياد في المواجهة بين الحكومة المغربية، وجبهة البوليساريو، التي تسعى لاستقلال الصحراء الغربية. ونوَّهت الكاتبة إلى أن ترامب أيَّد مطالبة المغرب بالسيادة على الصحراء مقابل تطبيع الرباط لعلاقاتها مع إسرائيل، والانضمام إلى اتفاقات أبراهام. وتسببت هذه المقايضة في انهيار اتفاق لوقف إطلاق النار؛ مما أدَّى إلى تجدد القتال، وتزايد التوترات في المنطقة. وتلفت الكاتبة إلى أن الأمم المتحدة تحاول استئناف عملية سياسية من شأنها التغلب على المأزق الحالي، ورفضت المغرب تنفيذ استفتاء شعبي تدعمه الأمم المتحدة من شأنه أن يحدد وضع الصحراء الغربية، وبدلًا عن ذلك قدَّم المغر...

أبي بشراي البشير يؤكد " القرار الصادر عن القسم القانوني في مجلس الإتحاد الأوروبي مهم للغاية ويؤكد القراءة السليمة لقرار محكمة العدل الأوروبية

  الشهيد للحافظ ، 02 فبراير 2025 (واص) -  أكد ممثل  جبهة البوليساريو لدى سويسرا والأمم المتحدة والمنظمات الدولية بجنيف, السفير أبي بشراي البشير, أن الرأي الصادر عن القسم القانوني في مجلس الاتحاد الأوروبي "مهم للغاية" لأنه يؤكد "القراءة السليمة لقرارات محكمة العدل الأوروبية الصادرة يوم 4 أكتوبر 2024 والتي تم بموجبها رفض طعون المفوضية والمجلس ضد قرار المحكمة العامة ليوم 29 سبتمبر 2021 وتأكيد قرار إلغاء الاتفاقيات بين المغرب والاتحاد الأوروبي.  وذلك - يضيف الدبلوماسي الصحراوي - بسبب شموليتها  اللاشرعية للصحراء الغربية, وهي الإقليم المتمايز والمنفصل عن المملكة المغربية, دون الحصول على موافقة الشعب الصحراوي المعني الحصري بالحق في تقرير المصير, وبالتالي السيادة على الإقليم وثرواته". وأضاف في تصريح لو" واج "  أن "هذا الرأي القانوني يعزز الانطباع الحاصل لدى الأوروبيين بتقلص هامش المناورة أمام المفوضية في محاولاتها الدائمة للقفز على قرارات العدالة الأوروبية, ويحمل رسالة واضحة إلى المفوضية بضرورة احترام تلك القرارات والالتزام بمحتواها". كما شدد الدبلوماسي ...

البرلمان البريطاني يستقبل ممثلي القضية الصحراوية لمناقشة تطورات النزاع ودور المملكة المتحدة

  شارك مارك لوتشفورد (Mark Luetchford)، ممثل منظمة Western Sahara Campaign UK، والمنظمة الخيرية البريطانية Mijek Refugees Hand، ممثلها أباهم مولود، في لقاء مع البرلماني البريطاني عن Folkestone and Romney Marsh السيد Tony Vaughan، وذلك يوم 13/07/2025 على الساعة العاشرة صباحًا في مدينة Folkestone. كان هذا اللقاء مبرمجًا منذ مدة، وتناول القضية الصحراوية وآخر تطوراتها، إلى جانب مناقشة دور المملكة المتحدة وموقفها الأخير من هذه القضية. تم التطرق إلى تطورات النزاع في الصحراء الغربية، والخلفية القانونية لوضع الإقليم في القانون الدولي، وكذلك مسار مخطط السلام الأممي-الإفريقي، وفشل الأمم المتحدة حتى الآن في إيجاد حل عادل. كما طالب الوفد من البرلماني Tony Vaughan الانضمام إلى مجموعة البرلمانيين الداعمين للقضية الصحراوية داخل البرلمان البريطاني، بالإضافة إلى طرح أسئلة رسمية داخل البرلمان بشأن القضية الصحراوية. وقد تم التأكيد له أن الشعب الصحراوي لا يطلب سوى العدالة وفقًا للقانون الدولي، وأن الشعب الصحراوي وحكومته مستعدان للتعاون الاستراتيجي مع المملكة المتحدة في مختلف المجالات. وللإشارة، ...