كل شيء من أجل إسرائيل: قراءة في المواقف الدولية تجاه القضية الفلسطينية
بعد ملحمة طوفان الأقصى شهد العالم موجة من التحركات السياسية والدبلوماسية التي بدت في ظاهرها وكأنها تصب في مصلحة القضية الفلسطينية، مثل الاعتراف الأوروبي المتزايد بدولة فلسطين والدعوات المتكررة إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة. غير أن القراءة المتأنية لتلك المواقف تكشف أن الهدف الحقيقي من ورائها لم يكن نصرة الشعب الفلسطيني بقدر ما كان الحفاظ على بقاء “دولة إسرائيل” واستقرارها في وجه العزلة الدولية المتصاعدة.
الاعتراف الأوروبي بالدولة الفلسطينية: خطوة لحماية إسرائيل
الاعتراف الأوروبي المتزايد بالدولة الفلسطينية لم ينبع من إيمان حقيقي بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، بل جاء كجزء من رؤية أوروبية تهدف إلى ترسيخ ما يُعرف بحل الدولتين، ذلك الحل الذي أصبح في الواقع وسيلة لتثبيت وجود إسرائيل كدولة شرعية في المنطقة، مقابل كيان فلسطيني هشّ ومجزأ يخضع للوصاية السياسية والاقتصادية.
فبهذا الاعتراف، تسحب أوروبا الغطاء الشرعي عن المقاومة الفلسطينية التي تُعدّ في نظرها “عقبة أمام السلام”، وتمنح “السلطة الفلسطينية” شرعية تمثيل الشعب الفلسطيني، رغم ضعفها السياسي وتبعيتها للضغوط الدولية والإسرائيلية. والنتيجة هي خلق مشهد سياسي يخدم إسرائيل من حيث ضمان استمراريتها، مع إعطاء العالم مظهراً زائفاً بأنه يقف إلى جانب العدالة.
اتفاقات وقف إطلاق النار: أمن إسرائيل أولاً
أما اتفاقات وقف إطلاق النار التي تُبرم بعد كل جولة عدوان على غزة، فهي بدورها ليست من أجل الفلسطينيين، بل لحماية إسرائيل من الانهيار السياسي والأمني. فوقف إطلاق النار غالباً ما يأتي بعد أن تفشل إسرائيل في تحقيق أهدافها العسكرية أمام صمود المقاومة، فيسارع الوسطاء – وفي مقدمتهم الولايات المتحدة – إلى التدخل لفرض “هدوء متبادل” يعيد التوازن لصالح الاحتلال.
فالولايات المتحدة لا تخفي انحيازها المطلق لإسرائيل، لكنها باتت تدرك أن استمرار العدوان يجعل إسرائيل أكثر عزلة في الرأي العام العالمي، ويُظهر زيف “ديمقراطيتها” المزعومة. لذلك تسعى واشنطن دائماً إلى حفظ ماء وجه إسرائيل من خلال هدنة مؤقتة تتيح لها التقاط الأنفاس دون خسارة موقعها الاستراتيجي في المنطقة.
تصريحات تكشف المستور
في هذا السياق، تُذكر تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يُعد أكثر انحيازاً لإسرائيل حتى من بعض رؤساء وزرائها، حين قال في مكالمته الأخيرة مع بنيامين نتنياهو: “إسرائيل لا يمكنها محاربة العالم، لقد أصبحت دولة منبوذةعالمياً.”
هذه الجملة تختصر المشهد كله؛ فصمود الشعب الفلسطيني، بقيادة المقاومة، كشف زيف الخطاب الغربي الذي يدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان بينما يغضّ الطرف عن الجرائم الإسرائيلية. لقد أدركت واشنطن والعواصم الأوروبية أن استمرار الحرب لا يخدم مصالحهم، لا حبّاً في الفلسطينيين، بل خوفاً على إسرائيل من الانهيار الأخلاقي والسياسي أمام العالم.
المقاومة وصمود الشعب الفلسطيني
رغم كل محاولات الالتفاف السياسي والدبلوماسي، يبقى صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة هو العامل الوحيد الذي أعاد القضية إلى الواجهة وأربك حسابات القوى الكبرى. فكلما حاولت إسرائيل أن تفرض روايتها بالقوة، جاءت المقاومة لتفشل تلك المساعي، وتعيد تعريف مفهوم “العدالة” في الوعي العالمي من جديد.
إنّ ما يجري على الساحة الدولية ليس دعماً حقيقياً لفلسطين، بل هو إعادة تموضع لحماية إسرائيل في ظل تغير المزاج العالمي وتنامي التعاطف الشعبي مع الفلسطينيين. فكل اتفاق وبيان واعتراف يُصاغ تحت شعار “السلام”، إنما يُبنى على قاعدة واحدة: كل شيء من أجل إسرائيل.
لكنّ ما لم يفهمه الغرب بعد، هو أن العدالة الحقيقية لا تُصنع في أروقة السياسة، بل تُفرض على الأرض بصمود الشعوب، والشعب الفلسطيني خير شاهد على ذلك
MijekMedia✍️
تعليقات
إرسال تعليق