أيّ النظامين أنسب للشعب الصحراوي بعد الاستقلال؟
مقدمة
منذ بداية تأسيس الدولة الصحراوية، واجه الشعب الصحراوي ظروفًا استثنائية من لجوءٍ واحتلالٍ ومقاومة، جعلت من الوحدة الوطنية مسألةً مصيرية تتقدّم على كل الاعتبارات الأخرى. وفي ظلّ هذه المعطيات، يبرز السؤال المهم: أيّ نظامٍ سياسيٍّ أنسب للشعب الصحراوي بعد الاستقلال — نظام الحزب الواحد أم نظام تعدد الأحزاب؟ للإجابة على هذا السؤال، من الضروري تحليل مميزات وعيوب كلّ نظام، ثمّ مقارنتها بخصوصية التجربة الصحراوية وتاريخها السياسي والاجتماعي
أولاً: نظام الحزب الواحد
المميزات
يتميّز نظام الحزب الواحد بقدرته على تحقيق الاستقرار السياسي، نظرًا لغياب الصراعات الحزبية والمنافسة الداخلية التي قد تشتّت الجهود الوطنية كما أنّه يوفّر سرعة في اتخاذ القرارات وتنفيذها، لأنّ التوجه السياسي موحّد، والرؤية الاقتصادية والاجتماعية منسجمة. ويساعد هذا النوع من الأنظمة على توحيد الصفوف في مرحلة البناء الوطني، خصوصًا في الدول الخارجة من حروب أو استعمار وتعتبر التجربة الصحراوية تجربة ناجحة لان الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب نحت في الدارة الشعب الصحراوي رغم أوجده في واقع غير طبيعي واقع الحرب واللجوء
العيوب
في المقابل، يُعاب على نظام الحزب الواحد أنّه يحدّ من المنافسة السياسية، ما قد يفتح الباب أمام الفساد والبيروقراطية. كما أنّ غياب المعارضة يجعل من الصعب تصحيح الأخطاء أو محاسبة المسؤولين، فيتحوّل الحزب الحاكم أحيانًا إلى سلطة مغلقة على نفسها، وتُهمّش الآراء المخالفة.
ثانياً: نظام تعدد الأحزاب
المميزات
يتيح نظام الأحزاب المتعددة مشاركة أوسع وتمثيلاً أعدل لمختلف فئات المجتمع، فيضمن الرقابة المتبادلة بين القوى السياسية ويُوفّر بدائل للحكم عند فشل أحد الأحزاب. كما يُشجّع على حرية التعبير والتنوع الفكري والسياسي، وهي عناصر ضرورية لأيّ تجربة ديمقراطية ناضجة.
العيوب
غير أنّ تعدد الأحزاب قد يؤدي إلى عدم استقرار سياسي نتيجة كثرة الخلافات والائتلافات الهشّة، خاصة في المجتمعات الخارجة من الصراع أو التي لم تترسّخ فيها بعد ثقافة العمل الحزبي. كما أنّ تعدد المصالح الحزبية قد يُعطّل اتخاذ القرارات ويغلب المصلحة الحزبية على المصلحة الوطنية، وهو ما شهدته العديد من الدول في العالم الثالث
ثالثاً: التجربة الصحراوية كنموذج خاص
منذ تأسيس الدولة الصحراوية، تبنّى الشعب الصحراوي عمليًا نظام الحزب الواحد ممثلاً في الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو)، التي كانت — ولا تزال — الإطار السياسي الجامع للشعب الصحراوي في مواجهة الاحتلال المغربي. وقد أثبت هذا النظام فاعليته في الحفاظ على وحدة الصف الوطني رغم التحديات والمصاعب.
فكلّ محاولة لتأسيس تنظيم سياسي موازٍ للجبهة الشعبية كانت تُستغلّ من قبل الاحتلال المغربي لضرب الوحدة الوطنية، إذ تتحوّل المعارضة في ظلّ واقع الاحتلال إلى أداة تخدم أجندات خارجية وتفقد مصداقيتها داخل المجتمع الصحراوي في المخيمات والمناطق المحتلة والشتات. ولهذا، كان الحفاظ على وحدة التنظيم السياسي شرطًا أساسيًا لاستمرار المقاومة والصمود.
رابعاً: نحو نموذج سياسي صحراوي خاص
رغم ما سبق، فإنّ النظام السياسي الصحراوي يمكن أن يتطوّر نحو نموذج فريد ومناسب لخصوصيته، يجمع بين مزايا الحزب الواحد ومبادئ التعددية.
يمكن أن يكون هذا النظام قائمًا على العدالة الاجتماعية والمشاركة الشعبية الواسعة دون أن يسمح بتفكك الجبهة الوطنية أو تحوّل الأحزاب إلى أدوات لتقاسم السلطة كما حدث في كثير من الدول.
بمعنى آخر، ينبغي أن يكون النظام الصحراوي:
• نظامًا وحدويًا تعدديّ الروح، يسمح بحرية التعبير والمحاسبة داخل الأطر الوطنية.
• غير محتكر للسلطة، بحيث تظلّ مؤسسات الدولة مفتوحة أمام جميع الكفاءات دون تمييز.
• ويستمدّ شرعيته من التجربة النضالية الصحراوية ومن تمسّكه بمبادئ الوحدة، والعدالة، والمساواة.
إنّ التجربة الصحراوية أثبتت أنّ وحدة الصف شرط للحرية، وأنّ الاستقلال الوطني مقدَّم على التنافس الحزبي. لذلك، فإنّ أنسب نظام للشعب الصحراوي بعد الاستقلال ليس بالضرورة استنساخًا لأيّ نموذج غربي أو شرقي، بل نظام سياسي خاصّ مستمدّ من التجربة الوطنية، يجمع بين الفعالية السياسية، والعدالة الاجتماعية، والمشاركة الشعبية، دون أن يفرّط في الثوابت الوطنية ووحدة القرار.✍️MijekMedia
تعليقات
إرسال تعليق