الجاليات الصحراوية… والتيه الاستراتيجي
منذ عقود والجاليات الصحراوية في المهجر تلعب دوراً محورياً في توثيق القضية وإسنادها إعلامياً وحقوقياً، غير أن اختزال الفعل النضالي في تخليد الذكريات وتنظيم المظاهرات والاجتماعات الشكلية ـ دون أثر ملموس ـ بات نوعاً من التيه الاستراتيجي الذي ينبغي التوقف عنده، خصوصاً بعد أربع سنوات ونيف من عودة الكفاح المسلح، حيث ما زالت كثير من المبادرات تدور في الحلقة نفسها: شعارات بلا أدوات، حضور بلا مردود، رمزية بلا نتيجة.
لقد كانت تسعٌ وعشرون سنة من “مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار” كافية لاستخلاص دروس السياسة والانتظار، واكتشاف محدودية التعويل على الدبلوماسية التقليدية غير المقترنة بقوة ردع حقيقية. وكان بالإمكان تحويل الأنشطة الجماهيرية في المهاجر إلى مناسبات للتعبئة المالية والاستثمار في مشاريع إنتاجية تخدم المجهود الحربي وتدعم أسر الشهداء والمعتقلين، بدلاً من استنزاف الوقت والجهد في الرمزية الاحتفالية.
منذ 13 نوفمبر 2020 كان يفترض أن تتغير زاوية النظر ومنطق الاشتغال؛ فكل نشاط لا يصب في تطوير الجيش أو دعم عائلات الشهداء والمعتقلين هو جهد غير مثمر يمكن الاستغناء عنه. وأي دبلوماسية لا تمتلك استراتيجية لتقوية الذراع العسكرية للشعب الصحراوي هي دبلوماسية عبء وليست رافعة. لم تعد المسألة شعارات، بل تخصيص موارد وإعادة هندسة الأولويات: من إدارة الرموز إلى إدارة القوة.
يثبت التاريخ أن السلام ليس وضعاً نهائياً حتى بعد قرون من الاستقلال؛ فالحياة ، معركة مستمرة أو تحضير لمعركة قادمة. والدول التي تُخلي سلاحها أو تُعطل أدوات الردع تُستدعى سريعاً إلى الطاولة من موقع الطرف الأضعف. وعليه يصبح التركيز على بناء القدرة القتالية الذاتية ليس خياراً عاطفياً أو مزاجياً، بل شرطاً بنيوياً لصيانة أي مكسب سياسي آتٍ.
إن التيه الحقيقي ليس في مواصلة الاجتماعات، بل في مواصلة الأسلوب نفسه رغم تغير شروط اللعبة. وتصحيح هذا التيه يمر عبر تحويل الجاليات من جمهور متلقٍّ إلى رافعة تمويل واستثمار، ومن ذاكرة إلى قدرة، ومن احتجاج رمزي إلى وظيفة استراتيجية ذات أثر قابل للقياس.
✍️MijekMedia

تعليقات
إرسال تعليق