حين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء
يصف القرآنُ المنافقين بصفات دقيقة تُظهر اضطرابهم الداخلي وتقلبهم بين الحق والباطل، ومن أظهر الآيات في هذا الباب قوله تعالى:
﴿ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ﴾ — النساء: 143.
فهذه الذبذبة تعبير عن فقدان المبدأ، وغياب الموقف الأخلاقي المستقر، حيث يكون المنافق أسيرَ المصلحة اللحظية، يميل مع الأقوى، ويتحوّل حسب الظرف، دون ولاء حقيقي لقيمةٍ أو حقٍّ.
ويذكر القرآن صفاتٍ أخرى للمنافقين مثل:
• التلوّن في الخطاب: ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا…﴾
• الطعن في القضايا العادلة بالتشغيب والريبة: ﴿فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾
وعند ربط هذه المعاني بقضايا النزاعات المعاصرة — ومنها القضية الصحراوية — لا يقصد بذلك “تكفير أشخاص” أو “استنساخ الحكم الديني على وقائع سياسية”، وإنما استخلاص قانون اجتماعي قرآني: أن أي نزاع عادل أو ملفّ تقرير مصير أو صراع حقوقي؛ حين يظهر فيه أشخاص أو أطراف تتصف بالتذبذب بين الخطابين، تارةً مع هذا الطرف، وتارةً مع ذاك، أو يختزلون الحق في موازين المصلحة الآنية، أو ينقلون الصراع من ميدان المبدأ إلى ميدان المصلحة — فإنهم يُعيدون إنتاج النمط الذي وصفه القرآن: “مذبذبين بين ذلك”، بما يفضي في الواقع العملي إلى إطالة أمد النزاع وتأجيل الإنصاف.
وهكذا يقدّم القرآن معيارًا أخلاقيًّا لتحليل سلوك الفاعلين في القضايا المعاصرة: من يقف على أساس المبدأ، ومن يتحرك على أساس التذبذب
تعليقات
إرسال تعليق