لم تكن معركة طوفان الأقصى مجرّد مواجهة عسكرية تقليدية بين مقاومة محاصَرة واحتلال مدجّج بالسلاح، بل كانت ـ في عمقها الاستراتيجي ـ زلزالًا سياسيًا وإعلاميًا أصاب السردية الإسرائيلية في مقتل، لا سيما داخل أهم ساحات دعمها: الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.
ليس أعظم ما حققته هذه المعركة هو الخسائر الاقتصادية الهائلة التي مُني بها الاحتلال، ولا تحرير آلاف الأسرى الفلسطينيين، ولا حتى كشف زيف المنافقين والمتاجرين بالقضية، ولا مجرد إعادة بعث الأمل في قلوب الشعوب بأن النصر ممكن رغم الفارق الهائل في القوة المادية، بحسب منطق:
﴿كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرة بإذن الله﴾.
بل إن أعظم ما تحقق فعلًا هو:
تحطيم الأساس الأخطر من أسس التفوق الإسرائيلي: السيطرة على الرواية في الغرب.
انهيار “القداسة السياسية” لإسرائيل في الوعي الغربي
لسنوات طويلة، نجحت دولة الاحتلال في تسويق نفسها داخل الولايات المتحدة وأوروبا بوصفها “الضحية الدائمة” و“الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، بينما تُبرَّر لها أبشع الجرائم تحت غطاء “الدفاع عن النفس”.
لكن مشاهد غزّة، ومجازر الأطفال، وتدمير المستشفيات، وقطع الماء والغذاء، جعلت هذه الرواية تنهار أخلاقيًا أمام الرأي العام الغربي، وبدأت أسئلة كانت محرّمة حتى وقت قريب تُطرح علنًا:
• لماذا تدفع واشنطن عشرات المليارات سنويًا لدولة احتلال؟
• وعلى حساب من؟
• ومن الخاسر الحقيقي داخل أمريكا نفسها؟
حين يدفع الفقراء الأمريكيون ثمن الاحتلال
تشير بيانات 2024 إلى أن نحو 12% من سكان الولايات المتحدة يعيشون تحت خط الفقر.
لكن الصورة أكثر عمقًا عند الحديث عن ما يُعرف بـ ALICE households، وهم:
أسر تعمل، وتكسب أكثر قليلًا من خط الفقر الرسمي، لكن دخلها لا يكفي لتأمين أساسيات المعيشة: السكن، الغذاء، التأمين الصحي، والتعليم.
ووفق أحدث التقديرات لعام 2023 فإن:
• نحو 29% من الأسر الأمريكية تُصنَّف ضمن فئة ALICE.
• ومع إضافة من هم تحت خط الفقر رسميًا، فإن أكثر من 40% من المجتمع الأمريكي يعيشون في ضائقة اقتصادية حقيقية.
وهنا ينفجر السؤال الأخطر في المجتمع الأمريكي اليوم:
كيف تُبرر حكومة تُنفق المليارات على دعم الاحتلال، بينما يعجز ملايين الأمريكيين عن دفع إيجار منازلهم أو فواتير علاجهم؟
التداعيات على مستقبل الدعم لإسرائيل
ما يحدث اليوم ليس مجرد احتجاجات عابرة، بل تحول عميق في الوعي السياسي داخل المجتمع الغربي، ظهر في:
• الجامعات الأمريكية
• النقابات
• الإعلام المستقل
• داخل الحزب الديمقراطي نفسه
ومع تزايد الضغوط الاقتصادية على المواطن الغربي، يصبح دعم إسرائيل عبئًا سياسيًا متصاعدًا على الحكومات، لا ورقة رابحة كما كان في السابق.
لأول مرة، يُربَط دعم إسرائيل مباشرة بمعاناة الفقراء داخل أمريكا.
غزّة لم تنتصر عسكريًا فقط… بل كسرت الهيمنة المعنوية
إن أخطر ما أصاب الاحتلال بعد طوفان الأقصى هو:
• سقوط احتكار الضحية
• انهيار الغطاء الأخلاقي
• وبدء تآكل الشرعية السياسية للدعم الغربي
ورغم شراسة العدوان، فإن غزّة اليوم لا تقاتل وحدها، بل تقاتل ومعها وعي الشعوب، واحتجاجات الشوارع، وغضب الفقراء، وانكشاف النفاق السياسي.ا
غزّة اليوم لا تهزم جيشًا فقط،
بل تهزم:
• سردية،
• وإعلامًا،
• وشبكة مصالح،
• ونظامًا عالميًا قائمًا على الظلم.
وإذا كانت أمريكا وأوروبا هما مصدر قوة إسرائيل،
فإن اهتزاز الوعي الشعبي داخلهما هو بداية النهاية لهذا التفوق.
غزّة اليوم لا تنتصر بالسلاح فقط… بل بالحقيقة.
✍️MijekMedia

من يشاهد التحول الكبير في سردية الغرب يدرك كم كان انتصار غزة كبيرا وعظيماً رقم فداحة التضحيات
ردحذف