حين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء يصف القرآنُ المنافقين بصفات دقيقة تُظهر اضطرابهم الداخلي وتقلبهم بين الحق والباطل، ومن أظهر الآيات في هذا الباب قوله تعالى: ﴿ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ﴾ — النساء: 143. فهذه الذبذبة تعبير عن فقدان المبدأ، وغياب الموقف الأخلاقي المستقر، حيث يكون المنافق أسيرَ المصلحة اللحظية، يميل مع الأقوى، ويتحوّل حسب الظرف، دون ولاء حقيقي لقيمةٍ أو حقٍّ. ويذكر القرآن صفاتٍ أخرى للمنافقين مثل: • التلوّن في الخطاب: ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا…﴾ • الطعن في القضايا العادلة بالتشغيب والريبة: ﴿فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾ وعند ربط هذه المعاني بقضايا النزاعات المعاصرة — ومنها القضية الصحراوية — لا يقصد بذلك “تكفير أشخاص” أو “استنساخ الحكم الديني على وقائع سياسية”، وإنما استخلاص قانون اجتماعي قرآني : أن أي نزاع عادل أو ملفّ تقرير مصير أو صراع حقوقي؛ حين يظهر فيه أشخاص أو أطراف تتصف بالتذبذب بين الخطابين، تارةً مع هذا الطرف، وت...
لطريق الوعر إلى الاستقلال تدفّقت ردودُ فعل الصحراويين على ما يَرِد من نيويورك بين الغضب والتشاؤم والحذر فهذه انفعالاتٌ طبيعية ومشروعة غير أنّ مَن يعرف تموضع إداراتٍ أمريكية سابقة ومواقفَ أغلبية دول ما يُسمّى «مجموعة أصدقاء الصحراء الغربية» في مجلس الأمن—الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا وإسبانيا—لا يفاجئه المشهد؛ إذ إنّ معظم هذه العواصم أعلنت، صراحةً أو ضِمناً، انحيازاً يمسّ جوهر الحقّ الصحراوي. ويزيد المشهد تعقيداً أنّ «حامل القلم» لقرارات المجلس في هذا الملف (الولايات المتحدة) لطالما كانت له مواقفُ سياسية تُؤثّر في صياغة القرارات واتجاهها، على نحوٍ يجعل الخصومةَ والتحكيمَ متداخلين بصورةٍ مُربِكة. من المهمّ التذكير بأنّ قرارات مجلس الأمن المتّصلة بالصحراء الغربية تصدر بموجب الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، وهو فصلٌ يُعالج النزاعات بوسائل دبلوماسية—تفاوض، ووساطة، وتحكيم—على خلاف الفصل السابع الذي يُجيز أدوات الإلزام القسري. لذلك تظلّ لغةُ القرارات في هذا الملف حتى الان أقرب إلى الحثّ وطلبِ الحلول من فرض التنفيذ المُلزِم. تاريخياً، سُجّلت قرارات أممية لافتة: القرار 379 (...